د. يوسف بن علي المُلَّا:
هل تؤجل شيئا بقراءة هذا المقال؟ ربما تكون مقبلًا على إنهاء ما بين يديك من كتابة آخر فصل لك أو إجراء مكالمة هاتفية، أو بصدد إنهاء تسوُّقك!
بطبيعة الحال، يعرِّف علماء الاجتماع التسويف بأنه (تأخير مهمة لفترة طويلة لعدم القدرة على التكيف)، وهو ـ بلا شك ـ أمر يزعجنا جميعًا تقريبًا. فعلى سبيل المثال، إحدى الدراسات أشارت إلى أن أكثر من 70 بالمئة من طلاب الجامعات يؤجلون أداء واجباتهم الدراسية. وبالتالي التسويف يحصل على سمعة سيئة في نهاية اليوم. فتأجيل المسؤوليات الروتينية الضرورية سيجعل عملك يتراكم ويضر دائمًا براحتك. ولكن عند العمل بشكل استراتيجي مع مهام إبداعية معيَّنة، يمكن أن يكون القليل من التسويف مفيدًا بالفعل. لذا ادفع فاتورة الكهرباء وقُم بغسل الأطباق الآن، وربما قد ترغب في تأجيل مهمة الكتابة هذه لمدة يوم أو يومين!
ومن هنا عادة ما يُنظر إلى التسويف على أنه مشكلة تتعلق بإدارة الوقت، لكن لو أخذنا الموضوع من جانب آخر للاحظت ـ إن اتفقت معي ـ أن الأمر يتعلق أكثر بإدارة المشاعر. فالعديد من الأشخاص يتعاملون مع المشاعر السلبية المحيطة بمهمة أو المسؤولية من خلال تجنب المهمة ببساطة، على الأقل مؤقتًا. ربما تكون قد جربت هذا إذا قمت بتأجيل محادثة صعبة وبررت ذلك بالقول: لا يمكنني التعامل مع هذا الآن! وعموما، سواء كان ذلك فشلًا في إدارة الوقت أو العواطف، فمن وجهة النظر هذه لا يزال التسويف يُصوَّر على أنه شيء سلبي.
في الواقع، يمكن أن تعاني من عدم المماطلة على الأقل قليلًا في العديد من المواقف، والقيام بالأشياء بسرعة كبيرة قد يعكس بشكله الخاص من الإدارة العاطفية لسوء التكيف. ألا ترى أنه في بعض الأحيان يندفع الناس ويسرعون في أداء المهام لأنهم لا يتحلون بالصبر؟ بعبارة أخرى، يريدون التخلص من شيء ما، حتى مع المخاطرة بارتكاب الأخطاء وبذل المزيد من الجهد في النهاية لتصحيحها!
من ناحية أخرى، فالمحتمل أن تكون أكبر تكلفة للتسويف المسبق ـ والعكس بالعكس، أكبر فائدة للتسويف المعتدل ـ تأتي في الإبداع. حيث وجد العلماء أن تأجيل المهام التي تتطلب الابتكار والبحث من أجل التفكير فيها يمكن أن يؤدي إلى أداء أفضل، ناهيك أنه يجب أن نضع بالحسبان أن الخطر الأكبر للمماطلة هو أن المهمة ستصبح غير مكتملة بشكل دائم.
لذلك يجب أن ندرك أن التسويف العرضي الاستراتيجي ـ إن صحَّ القول ـ يمكن أن يكون مفيدًا، فإن التسويف المزمن سيمثِّل مشكلة. ولمعرفة ما إذا كنت تعاني منه فعلًا، اسأل نفسك ما إذا كانت الطريقة التي تؤخر بها المهام تجعلك تشعر بأنك خارج عن السيطرة أو غير سعيد؟ لذلك تذكر أن تأجيل المهام الإبداعية مفيد؛ لأنه يسمح لك باستجواب الأفكار في عقلك. وبكل تأكيد لن ينجح الأمر إذا أمضيت فترة طويلة في المماطلة المهلكة. فمثلًا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل طائش لا يهدر وقت التسويف فحسب، بل يغذي العادة.
ولعلِّي هنا أذكر بشيء آخر يجب مراعاته: ربما تقوم بالمماطلة في مهمة معيَّنة مرارًا وتكرارًا. في مثل هذه الحالة، قد لا يكون التسويف ـ هو مشكلتك في الواقع ـ فقد تكره هذه المهمة ببساطة لأنها تجعلك غير سعيد!
ختامًا، قد يكون أفضل خيار لك هو تجنب التسويف عن طريق تجنب المهمة تمامًا. قد تتمكن من دفع المال لشخص ما ليغسل سيارتك نيابة عنك. ستخسر بعض المال، لكن الوقت الذي توفره سيجعلك أكثر سعادة، إذا كنت تستخدمه بحكمة. وبالتالي تسويفك أو تأجيلك، مهما كان غير قادر على التكيف، ربما يمنحك في الواقع تلميحات حول كيف يمكنك أن تكون أكثر سعادة... يعود الأمر إليك!