تضغط هموم كوكب الأرض وما يعتريه من تغيرات جيولوجية ومناخية على سكان العالم كافة، لكن رغم الشعور بوطأة عواقب تلك التغيرات إلا أن درجة استجابة بلدان العالم لدعوة الاهتمام بمعالجة السلبيات والممارسات الضارة بالبيئة تبدو متفاوتة، بل وتتضاءل عند العديد من الدول عن مستوى الطموحات.
لقد احتلت البيئة ـ ولا تزال ـ مركزًا من مراكز الصدارة في أولويات الاهتمام لدى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ذلك أنها تتوقف على سلامتها وصحتها الحياة بأكملها البشرية والحيوانية والفطرية وغيرها، ومتى ما كانت البيئة تمتاز بالسلامة والنظافة انعكس ذلك على الحياة كلها وبأنواعها، وانطلاقًا من الإيمان العميق لجلالته لقيمة البيئة ودورها في استمرار الحياة والبقاء والتطور والتنمية والرقي، أخذت الجهود المحلية على المستويين الرسمي والشعبي تتعزز يومًا بعد يوم، هذه الجهود توالي مفاعيلها على الأرض العمانية وغير العمانية، وتتوالى تفاعلاتها وصداها في المحافل الدولية، ما أوجد سمعة حسنة على الصعيد الدولي، حيث لفتت هذه الجهود انتباه الأجهزة الدولية المعنية بسلامة البيئة العالمية ومنها الصندوق المتعدد الأطراف لبروتوكول مونتريال الذي أقر تنفيذ مشروعين مهمين لحماية طبقة الأوزون في السلطنة، وبروتوكول مونتريال هو واحد من الخطوات الدولية الجادة لمعالجة المشكلات البيئية لكن لجانه التنفيذية تواجه المتاعب مع دول كبرى ملوثة للبيئة ترفض اتباع المعايير المنصوص عليها في البروتوكولات الدولية مثل بروتوكول مونتريال وبروتوكول كيوتو وغيرهما، والرفض نابع من نظرة ضيقة وأنانية لتلك الدول التي ترى في الإسهام في معالجة مشكلات العالم البيئية معرقلًا لبرامجها التنموية ومعدلات إنتاجها الصناعي أي أن تلك الدول على ضخامة اقتصادياتها ترفض التضحية من أجل وقف الدمار الذي يلحق بثقب الأوزون ويرفع درجة حرارة الأرض. ومن هنا يتبدى بوضوح مقدار التضحية التي تقدمها السلطنة من أجل خدمة الأهداف الدولية رغم تواضع حجم اقتصادنا الوطني قياسًا إلى حجوم اقتصاديات الدول الكبرى في العالم والموقعة أيضا على بروتوكول مونتريال.
ولما كانت البداية يجب أن تنطلق من بيتنا ومن بيئتنا لنتمكن فيما بعد من حفز جهود المنظومة الدولية من أجل توحيد الصف لتعميق الوعي بمخاطر الإساءة إلى البيئة وبمخاطر التغيرات الناجمة عن هذه الإساءة، ومن أجل المسارعة إلى إنقاذ بيئة الأرض جاءت الأوامر السامية من لدن جلالة السلطان المعظم ـ أبقاه الله ـ بالاحتفال بيوم البيئة العماني في الثامن من يناير من كل عام لتكون تتويجًا للجهود التي تبذلها الجهات المعنية للحفاظ على البيئة، وعلامةً على المكانة الكبيرة للبيئة والاعتراف بدورها الكبير في الحياة. وتأكيدًا من الحكومة على أن برامج حماية البيئة تساعد في حفز برامج التنمية قضت القوانين المتعلقة بالاستثمار وإنشاء المصانع وغيرها من مؤسسات ومشاريع الإنتاج بأن تراعي الشروط البيئية وأن لا تكون في الأحياء السكنية أو قريبة منها، بل إن الوعي لدى المواطنين والمقيمين بسلامة البيئة ودورها في الصحة الجسمية والنفسية أدى بهم إلى رفض أي نوع من أنواع الإساءة إلى البيئة وخاصة المصانع والمنشآت التي تتصاعد منها الأبخرة والأدخنة وغيرها من الملوثات والعوادم، وإزاء ذلك لا تزال هناك العديد من المطالبات للنظر في هذا الشأن.
وما يحسب للسلطنة في ظل نهضتها المباركة بالقيادة المستنيرة والحكيمة لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أنها حرصت في المجال البيئي على أن تضيف إلى الميراث البشري قاطبة صفحات خالدة، حيث تعتبر رؤى جلالته ـ أيده الله ـ وأدواره في مجال صون الحياة الفطرية قاموسًا فريدًا في مضمار حماية البيئة، ولا تزال جهوده حثيثة ومتوالية نحو الحفاظ على البيئة حيث أصدر جلالته ـ أعزه الله ـ في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م مرسومين ساميين بإنشاء محمية جبل قهوان الطبيعية بمحافظة جنوب الشرقية، وإنشاء محمية الأراضي الرطبة بمحافظة الوسطى. وما يحسب للسلطنة أيضًا الاهتمام الكبير وتنوع الفعاليات في الاحتفال بيوم الفعاليات حيث يتميز احتفال هذا العام بمشاركة جميع شرائح المجتمع بما فيها أندية الجاليات الأجنبية لأهمية المشاركة المجتمعية لتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة العمانية ومفرداتها الطبيعية، ولإبراز كل الجهود المخلصة والهادفة إلى الحفاظ على البيئة العمانية وحمايتها من الهدر، ومن أجل استدامتها للأجيال القادمة وليكون هذا اليوم نقطة التقاء لجميع فئات المجتمع كإفراز رسالة مفادها أن حماية البيئة العمانية ومواردها الطبيعية هي مسئولية جماعية وليست فردية وهذا هو الغرس الذي يجب أن يغرس في النشء لمواصلة نفس الفكر للأجيال.