د. علي ساجد:
في عصر الثورة التكنولوجية ظهرت طفرات تقنية وبرامج تطبيقية في تحليل الخط، أو الوجوه، أو الألوان والرسوم، تتدرج في وظائفها فبعضها للمستخدم العادي، وبعضها للمحترفين والمتخصصين، ومنها ما صُمم لوظائف خاصة، كما تتباين درجة فاعليتها بحسب تمكن الشخص من استخدامها وخبرته في الاستفادة منها، وبحسب تصميمها وعمق محتواها وخياراتها، فبعضها لها القدرة على حفظ المعلومات في سجلات وقواعد بيانات وإخراج تقارير مفصلة ومطبوعة في التفرس.
ربما تكون النظرات كافية في أخذ انطباع وتحليل سريع، ولكن مع كثرة المعطيات والتعامل مع الكثير من العينات يحتاج الشخص المتفرس إلى التكنولوجيا لتحقيق مزيد من الدقة، مع إمكانية حفظ وأرشفة المعلومات وتداولها وتوفير الوقت والجهد شأن الكثير من أنشطتنا الحياتية التي تُعد كتاباً مفتوحاً للآخرين.
في عام 1999 اندمجت شركة نيسان اليابانية مع رينو الفرنسية، وخلال المفاوضات حضر الوفد الياباني ومعه رجل عجوز ظل صامتاً طول الوقت.. وحين انتهت المفاوضات سأل أحد الفرنسيين زميله الياباني: مَن ذلك الرجل الغريب ولماذا ظل صامتًا ينظر في وجوهنا؟! ابتسم الياباني وقال هامسًا: إنها عادة يابانية قديمة تتطلب حضور رجل حكيم يقرأ أفكار المنافسين ويتفرس في وجوههم.
وهذا ما يسمى في المقابلات باكتشاف المواهب والخبرات عبر اللقاء بأشخاص ذوي خبرة في مجال الرجال لاكتشاف الأفضل في المتقدمين.
هذه الموهبة يمكن إعادة تسميتها بسهولة بما يعرف بالتوسم أو الفراسة، وقد عرف العرب بالفراسة وتعدد مظاهرها، حتى ألف الرازي في هذا كتاباً جميلاً سمَّاه:(الفراسة عند العرب).

فما يظهر لنا كقراءة أفكار قد لايكون أكثر من تفرس في الملامح والتصرفات وتعابير الوجه وزلات اللسان، يجمعها صاحب الفراسة ويستنبط مدلولاتها ليستنتج نية الشخص المقابل.
والفراسة قد تكون مكتسبة أو فطرية يولد بها المرء، أما وجودها بشكل فطري، فدليله قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم):(إنه كان فيما خلا قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب)، والمحدث هو الملهم الصواب، وقد صرح النبي (صلى الله عليه وسلم) بذكر الفراسة في قوله (صلى الله عليه وسلم):(إن لكل قوم فراسة وإنما يعرفها الأشراف)، والأشراف هم من آل البيت والمقصود بهم المؤمنون الأتقياء من البشر، وليست الفراسة حصرًا على الأشراف وإنما هي معرفة وفطرة تتعلق بالبصيرة، ولذا تقول العرب: نتوسم فيك الخير والصلاح، والله تعالى يقول:(إن في ذلك لآيات للمتوسمين) أي: المتفرسين.

* باحث من جامعة ملايا ماليزيا