محمود عدلي الشريف:
أيها الأحبة الكرام:لقد جمعني بحضراتكم أكثر من لقاء حول الكسل ـ نعوذ بالله تعالى منه ومن كل عمل يتصف به ـ بينت فيه خطر هذه الصفة على صاحبها وأنها تجعله يرجع القهقري، ويتخلف عن ركب أقرانه، وما كرت في مرات سابقة أن الكسل جاء في القرآن الكريم وهو يتحدث عن المنافقين وكسلهم عن أداء الصلاة، وهذا أمر جد خطير لما نلحظه اليوم من تكاسل البعض عن أداء حق الله تعالى عليه من العبادات وخاصة الصلاة،ولو سألت هؤلاء سؤالًا يضطرني أن أذكره ألا وهو: إذا كان عندك عامل يعمل لك وقتًا معينًا، وامتنع أن يعمل في هذا الوقت المتفق عليه، فهل هذا سيرضيك عنه؟ ولا شك أن الإجابة تكون: لا! بل ستقول: سأغضب عليه غضبًا شديدًا، ولو سألتك: لماذا؟ فستقول: لأن هذا الوقت ملكي وهو ضيعه عن عمد، فأقول: يا للعجب!! هذا بالنسبة لعامل بينك وبينه عقد ولوما امتنع عما ترغب فيه منه لقامت الدنيا ولم تقعد، فما بالك وأنت ملك لرب خلقك وأوجدك ومن عدم أحياك، وأسكنك أرضه وأطعمك رزقه وفضلك عن كل ما خلق، ثم تترك حقه عن عمد، برأيك كيف يكون غضبه عليك؟ وفي الحقيقة هو رؤوفوتعصيه ويتركك وتغفل عنه ولا يهملك وتسارع إلى معصيته ولا يعجل عليك، وخاصة الصلاة التي هي أهم حق من حقوقه عليك، ولهذا كانالمنافقون يتكاسلون عنها لقلة إيمانهم وضعف يقينهم.
يقول الإمام الطبري في تفسيرهالمسمى (جامع البيان، ت: شاكر 9/ 330): (إن المنافقين لا يعملون شيئًا من الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التقرُّب بها إلى الله، لأنهم غير موقنين بمعادٍ ولا ثواب ولا عقاب، وإنما يعملون ما عملوامن الأعمال الظاهرة إبقاءً على أنفسهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي من الفرائض الظاهرة، قاموا كسالى إليها، رياءً للمؤمنين ليحسبوهم منهم وليسوا منهم، لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كسالى)،وعن قتادة قوله:(وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى)، قال:(والله لولا الناسُ ما صَلَّى المنافق، ولا يصلِّي إلا رياء وسُمْعة). ويقولمحيي السنةمسعود البغوي في تفسيره المسمى (معالم التنزيل في تفسير القرآن4/ 58):(فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ ذَمَّ الْكَسَلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا صَلَاةَ لَهُمْ أَصْلًا؟ قِيلَ: الذَّمُّ وَاقِعٌ عَلَى الْكَفْرِ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى الْكَسَلِ، فَإِنَّ الْكُفْرَ مُكَسِّلٌ، وَالْإِيمَانَ مُنَشِّطٌ)، فّإذا كان هذا هو دور أنفسهم وما تغطه من كسل عميق، فبعدها يأتي ـ أيها الكرام ـ دور الذي يعكف على تضليل المؤمنين الشيطان،ولم ولن يترك له رسول الله ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ هذه الفجوة ليدخل منها، فقد حذرنا من ذلك ـ صلى الله عليه وسلم ـ تمام الحذر، ففي صحيح البخاري (2/ 52):عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ)، وأخرجه مسلم، برقم:1/ 538) وغيره، وقد جاء حديث يشرح هذا الحديث في (جامع معمر بن راشد، برقم:11/ 39)عنِ ابْنِطَاووُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَامَ عُقِدَ عِنْدَ رَأْسِهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ اللَّهَ حُلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ حُلَّتْ أُخْرَى، فَإِذَا صَلَّى حُلَّتِ الثَّالِثَةُ، فَيُصْبِحُ طَيِّبَ النَّفْسِ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ زَادَ، قَالَ: وَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُوقَظُ مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيُوقَظُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَيَجِيءُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا فَارْقُدْ، فَإِنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ رَقَدَ، ثُمَّ يُوقَظُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُ لَهُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا فَارْقُدْ، فَإِنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ رَقَدَ، فَتُصْبِحُ عُقَدُهُ كَمَا هِيَ، وَيُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ - أَوْ قَالَ: ثَقِيلَ النَّفْسِ - نَادِمًا عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يَبُولُ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ). وفي (اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه برقم:1/ 408)و(بول الشيطان):(يحتمل أن يراد به أنه يصرفه عن الصارخ والمُنَبِّهِ، بما يقرُّه في أُذُنِهِ حتى لا ينتبه، فكأنه ألقى في أذنه بوله، فأثقل سمعه بذلك، ويحتمل أن يكون عبارة عن اسْتِرْذَالِهِ له، وجعله أذنه كالمحل الذي يبال فيه. واللَّه أعلم).
وكأني بكم ـ إخواني وأخواتي ـ توافقونني الرأي إذا قلت لكم: أن هناك الكثير والكثير من الناس ممن يطيع الشيطان في هذه النقطة (وكأنه مسحور بكلام الشيطان كعقد السواحر، وحاصله أنه يغرُّه ويخدعه بطول الليل حتى ينام، فيحرم قيام الليل)(المرجع السابق برقم:1/ 408)، وجاء في كتاب (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ص: 217):(قال أَبُو حاتم ـ رَضِيَ اللَّه عنه: العاقل يعلم أن العجز في الأمور يقوم في النقص مقام الإفراط في السعي فيتجنبهما معا ويجعل لنفسه مسلكا بينهما، ودواعي الحرمان الكسل لأن الكسل عدو المروءة وعذاب على الفتوة ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة، وسبب النجاح ترك التواني)، فمن منا لا يحب أن يهبه مولاه التوفيق والنجاح في أمور الدنيا والدين، ولكن كيف يأتي النصر وأنت في الحرب بغير سلاح والعدو شرس، بل أعداء كثر النفس والهوى والشيطان وصديق السوء وسعة العيش أو ضيقه.. إلى غير، مما يهاجم الإنسان ليبعده عن الصراط المستقيم، وكل ما هو نافع مفيد لدينه أو دنياه أو أخرته، جاء في كتاب (الذريعة الى مكارم الشريعة، ص: 269):(أن من تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة فحب الهوينا يكسب النصب، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب لئلَّا تتعب، وقيل: إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقًّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحق.كما أن البدن يتعود الرفاهية بالكسل، كذلك النفس بترك النظر والتفكر تتبلد وتتبله، وترجع إلى رتبة البهائم.فحق الإنسان ألا يذهب عامة أوقاته إلَّا في إصلاح أمر دينه ودنياه، ومتوصلًا به إلى إصلاح أمر آخرته، ومراعيًا لها).
فالنشاط النشاط ـ أيها الأحبةـ فله من الفوائد الكثير، ومنها:(أنه دليل اليقين والإيمان. وهوعلامة من علامات إزهاق الشّيطان بذكر الله.وبه كثرة تحصيل الثّواب. وعليه الاجتهاد في الطّاعات، وبلوغ أعلى المقامات. ولا شك أنه يرفع قدر الضّعيف. فالنّشاط في العبادة دليل رضا الله وعلامة القرب منه. والنّشاط في عمل الخير يكسب المرء حبّ الله ورضا الناس ويرفع ذكره في العالمين. وبه تعمر الدّنيا، وتفتح البلدان لنشر دين الله. وبه أيضًا يزاد عن الأوطان، وتحمى الأعراض وتنشر الفضيلة، وتدحر الرّذيلة)(نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم برقم: 8/ 3488).
وفي الأخير: سأتركك يا من تتكاسل وتتثاقل وتخلد إلى الأرض إلى قبلك وعقلك وتمييزك، فالعمر عليك محسوب والعمل عليك مكتوب وأنت سيد قرار، وكأن الله تعالى جعل هذا الكلمات التي تقرأها الآن نذيرا لك لتلقي السمع وأنت شهيد، ورب مبلغ أوعى من سامع.

[email protected]*