أ.د. محمد الدعمي:
أذكر جيدًا ذاك المعلِّم، كث الشاربين؛ لأنه نهرني بشيء من الخشونة والصوت المرتفع وأنا طالب في الثانوية، فقط لأني استعملت تعبير "العالم العربي": ففي معرض اعتراضه على هذا التعبير الشائع الآن، ذكر هذا المدرس "العقائدي" أن التعبير الأدق، إنما هو "الأمة العربية" أو "أقطار الأمة العربية"؛ لأنك إن قلت "العالم العربي"، شبهت الدول العربية بالدول المتفرقة (عبر العالم) التي لا تربطها ببعضها وشيجة قومية أو لغوية، كما هي عليه حال الدول العربية!
أسترجع هذه الحادثة "العابرة" التي مرت بي شخصيًّا على سبعينيات القرن الماضي، وأستعرض بنظرة مسح شمولية تفكك روابط الوحدة القومية، زيادة على غلبة عناصر التفكك المهيمنة على دول وطننا العربي من المحيط إلى الخليج، إذ إن المرء نادرًا ما يمر على آراء لسياسي فاعل من إحدى دولنا لا يتحدث عن "الأمة": هو لا يقصد بهذا اللفظ "الأمة العربية" وإنما هو يقصد "الأمة" الخاصة بالقطر العربي الذي ينتمي هو إليه، درجة أن السياسي العراقي المعروف، الأستاذ مثال الألوسي، قد أسس حزبًا تحت عنوان "حزب الأمة العراقية"، ربما بسبب فقدان صبره مع "حزب البعث العربي الاشتراكي" وتكرار مفهوم "الأمة العربية الواحدة" ليلًا ونهارًا طوال ما لا يقل عن خمس وثلاثين سنة (من 1968-2003)، مرورًا بالوحدة الثلاثية (العراق ومصر وسوريا 1963)، حتى الوحدات الاندماجية والفورية التي روج لها وقادها المرحوم العقيد معمر القذافي حتى طالت جزر البحر المتوسط (كجزيرة مالطة)، زيادة على دول إفريقيا السوداء، شريطة أن يتوج هو مليكًا عليها جميعًا!