” إن رفض مشروع القرار في مجلس الأمن لن يزيد فقط من هوة الخلاف بين فتح وحماس فقط بل سيزيد أيضا من الاضطرابات في المنطقة بسبب إحساس الشعوب العربية بأن أراضيهم مغتصبة بينما تقف لهم القوى الغربية وعلى رأسهم أميركا بالمرصاد، بينما يرى آخرون أن رفض القرار بمثابة ضربة موجعة لقوى الاعتدال...”
ــــــــــــــــــــــ

تنفست الولايات المتحدة الأميركية الصعداء بعد أن رفض مجلس الأمن مؤخرا مشروع قرار لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية خلال عامين، حيث لم يحصل القرار على الأصوات التسعة المطلوبة لتمريره بعد أن مارست واشنطن الضغوط على الدول الأعضاء في المجلس لرفض القرار فأيدته بالتالي 8 دول فقط هي روسيا والصين وفرنسا والأردن والأرجنتين وتشيلي وتشاد ولو كسمبرج بينما امتنع عن التصويت كل من بريطانيا وليتوانيا وكوريا الجنوبية ونيجيريا ورواندا، وبالتالي لم تجد واشنطن نفسها مضطرة لاستخدام حق النقض " الفيتو" لإفشال القرار وهو ما أعفى الولايات المتحدة من موقف حرج، حيث سبق وأن أعلنت نيتها استخدام حق النقض ضد القرار وهو أسلوب اعتادت عليه واشنطن طوال الصراع العربي الإسرائيلي منذ أكثر من 60عاما، حيث سبق وأن استخدمت حق الفيتو 41 مرة !!
لا جديد إذن في الموقف الأميركي الداعم دائما لإسرائيل ولا جديد أيضا في مشروع القرار الذي رفضه مجلس الأمن والذي يتوافق مع جميع المبادرات والقرارات الدولية السابقة وفي مقدمتها المبادرة العربية للسلام وإنما الجديد فقط هو تحديد سقف زمني للمفاوضات لإقامة الدولة الفلسطينية في العام 2017 وهذا هو سبب رفض القرار، حيث إن كلا من واشنطن وتل أبيب تريدان مفاوضات غير محددة المدة تراوح مكانها ولا تصل إلى أية حلول .. الموقف الإيجابي في عملية التصويت على إجازة مشروع القرار هو موقف فرنسا ولوكسمبرج اللتان أيدتا التصويت وهو موقف يقلق أميركا وإسرائيل كثيرا كلما حققت القضية الفلسطينية انتصارات على الساحة الأوروبية بينما جاء الموقف السلبي من جانب نيجيريا وروندا الدوليتن العضوين بالاتحاد الإفريقي الذي يقف وينحاز دائما إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني !!
ولقد كان من الطبيعي بعد رفض مشروع قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية في العام 2017 أن يكون الرد الفلسطيني بمزيد من التحرك على الساحة الدولية وهو ماحدث بالفعل من خلال قيام السلطة الفلسطينية بالتوقيع على عدة اتفاقيات دولية بما فيها الإنضمام إلى المحكمة الجنائية الدوليه حيث اعتبرت أميركا وإسرائيل تلك التحركات الفلسطينية تصعيدا ضدهما مادفع الرئيس الأميركي باراك أوباما لتحذير رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس " أبو مازن " من مواجهة مع أميركا قد تؤدى إلى نهاية السلطة الفلسطينية بينما اعتبرت إسرائيل تلك التحركات حربا عليها وتوعدت بالعمل على خنق السلطة الفلسطينية بإجراءات مالية واقتصادية وحصارها في الضفة الغربية مايؤدي في النهاية إلى سقوطها وهو المخطط الذي تعمل تل ابيب على تنفيذه وقد سبق وأن أعلنه وزير الاستخبارات الإسرائيلي تحت عنوان " تفكيك السلطة الفلسطينية "!!
ولاشك أن رفض مجلس الأمن مشروع القرار الفلسطيني بإنهاء الاحتلال زاد الاحتقان بين حركتي فتح وحماس، حيث لم يمر سوى ساعات قليلة على رفض القرار إلا وأعلنت حركة حماس عن شماتتها في حركة فتح ورئيسها محمود عباس، حيث اعتبرت هذا الرفض فشلا إضافيا لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وفشلا للاستمرار في خيار التسوية واتهمت حماس الرئيس الفلسطيني بـ " الانفراد " بالقرار الفلسطيني داعية " فتح " للتوقف عن العبث بالمصير الوطني .. ويرى الكثير من المراقبين أن تصريحات حماس تظهر مدى اتساع الهوة بين الحركتين خاصة أن حركة حماس تعيش حالة من النشوة والارتياح بعد ما حققته من انتصار لإصدار محكمة العدل الاوروبية مؤخرا قرارا بإلغاء إجراءات الإبقاء على الحركة في قائمة المنظمات الإرهابية !!
إن رفض مشروع القرار في مجلس الأمن لن يزيد فقط من هوة الخلاف بين فتح وحماس بل سيزيد أيضا من الاضطرابات في المنطقة بسبب إحساس الشعوب العربية بأن أراضيهم مغتصبة بينما تقف لهم القوى الغربية وعلى رأسهم أميركا بالمرصاد، بينما يرى آخرون أن رفض القرار بمثابة ضربة موجعة لقوى الاعتدال التي تعمل على إحلال السلام في المنطقة وأن القوى الغربية التي رفضت هذا القرار لم تترك خيارا آخر أمام الفلسطينيين غير استخدام القوة المسلحة ضد إسرائيل لاسترداد أراضيهم المغتصبة .. ولهذا يرى البعض أن رفض القرار الفلسطيني يعد بمثابة انتصارا للدعم الخارجي لحركة حماس مقابل دعم القوى العربية والاوروبية لحركة فتح فمثلا بمجرد رفض القرار الفلسطيني أعلنت الخارجية الإيرانية أن المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي هي الخيار الأمثل للحصول على الحقوق الفلسطينية !!
يبقى السؤال .. هل تعجلت السلطة الوطنية الفلسطينية في تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن دون التأكد من ضمان تمريره اعتقادا منها ضمان الحصول على الأصوات التسعة خاصة وأن القرار تم تقديمه قبيل أيام قليلة من تغيير عضوية (5 ) دول بالمجلس ودخول (5) دول أخرى هى فنزويلا وماليزيا وانجولا وأسبانيا ونيوزيلندا بدلا من استراليا ولوكسمبورج وكوريا الجنوبية ونيجيريا ورواندا حيث إن الدول الخمس الجدد مواقفهم المعلنة أفضل كثيرا ولكن يبدو وأن السلطة الفلسطينية راهنت على نيجيريا التي قيل أنها كانت مؤيدة لمشروع القرار قبل نصف الساعة من التصويت لكنها غيرت موقفها بعد الاتصالات التي تلقاها الرئيس النيجيري جودلك جوناثان من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي جون كيري.. ربما؟!!.

سامي حامد
رئيس تحرير جريدة المساء ـ مصر