محمد بن سعيد الفطيسي:
لماذا وقف الناخب السويسري موقفًا إيجابيًّا من الدعم الحكومي المباشر للإعلام، كما لم يحدث في أي دولة أوروبية أخرى؟ ما هو دور وسائل الإعلام الحكومية في مجالات التنمية السياسية؟ وكيف يمكن أن يتم توظيف الإعلام والتقانة كآلية من آليات تفعيل التنمية السياسية؛ لكون هذه الأخيرة من ممكنات الدولة المعاصرة؟ ما هي الإشكاليات والتحديات التي تواجه الإعلام الحكومي فيما يتعلق بتمكين الدولة وتوطيد ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة الحكومية؟ وهل تقتصر تلك العقبات على الإعلام العربي؟ ما هو تأثير نظرية المجال العام في الإعلام الحكومي؟
عند الحديث عن الوعي الجماهيري؛ تحديدا الوعي السياسي منه ودور وسائل الإعلام الحكومية في التنمية السياسية للمجتمع المدني؛ أي الإعلام التنموي وكيفية توظيف الإعلام والتقانة كآلية من آليات تفعيل التنمية السياسية؛ لكون هذه الأخيرة من ممكنات الدولة المعاصرة وثباتها في مواجهة التأثيرات السلبية للعولمة وموجات التغريب الثقافي للمجتمع، والتأثير في أنماط الحياة وشكل العلاقة مع الدولة، نجد ـ بكل أسف ـ العديد من الصعوبات والتحديات التي تواجه ذلك الإعلام حيال التمكين للدولة والنظام السياسي بسبب افتقادها للخطة الإعلامية الجادة والعلمية التي تدعم وتسهم في تحقيق ذلك الهدف والمسؤولية.
باختصار فإن "تطوير دور الإعلام التنموي في عملية الإصلاح والتحديث في العالم العربي يقوم على ضرورة الاعتراف بالدور المتزايد الذي تقوم به وسائل الإعلام في المجتمع بغض النظر عن طبيعته وعدم وضع حدود أو قيود لجدوى وسائل الإعلام في التنمية الوطنية والإصلاح السياسي"(1 )
إضافة إلى تلك الصعوبات السابقة يتضح التوتر وعدم الاستقرار في الوسائل الإعلام الرسمية رغم إمكاناتها المادية على مواكبة حركة وسرعة تطور وسائل الإعلام غير الرسمية، خصوصا أدوات ووسائل الإعلام المعاصرة مثل وسائط التواصل الاجتماعي، وقدرة هذه الأخيرة على التأثير في العقول والأفكار المجتمعية من خلال نشر المعرفة والمعلومات من جهة وسرعة نشرها للأخبار والأحداث المؤثرة في الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي وغير ذلك من جهة أخرى.
الأمر الذي يجعلها في كثير من الأوقات في موضع المؤثر الأقوى والمتحكم المبادر للتغيير وإدارة الذهنية الجماهيرية في مواجهة وسائل الإعلام الرسمية؛ وهنا أستذكر نظرية المجال العام للفيلسوف الألماني هايبرماس والتي تؤكد أن "وسائل الإعلام الجديدة الإلكترونية ستخلق حالة من الجدل بين الجمهور ستتيح لهذا الأخير التأثير في القضايا العامة وهو ما يؤثر على النخب والنخبة الحاكمة والجمهور" (2 )
إذًا أصبح من الواضح أن منافذ وسائل الإعلام الرئيسية، خصوصا الرسمية أو الحكومية منها، ستجد نفسها متأخرة على نحو متزايد في مجال التقارير الإخبارية على سبيل المثال، وذلك على مستوى العالم، فهذه المؤسسات عاجزة ببساطة عن التحرك بسرعة كافية في عصر التواصل والوسائط مهما كانت موهبة المراسلين العاملين لديها أو المتعاقدين معها ومهما توفر لها من مصادر، بدلا من ذلك ستستمر الاخبار الهامة في العالم بالورود من منصات شبيهة بتوتير أي الشبكات المفتوحة"(3 )
وللأمانة، فإن هذه التحديات والعقبات والإشكاليات ليست حكرا على دول بعينها، بل تعاني منها أغلب المؤسسات الإعلامية التابعة للحكومة في مختلف أرجاء العالم، إلا أن ما يميز إعلاما حكوميا عن آخر، هو قدرة ذلك الإعلام الرسمي ومدى نجاحه في المجتمع، وتمكين الدولة أمام الرأي العام وكسب ثقة الجمهور، ولعل أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك النوع من الإعلام الحكومي هو الإعلام السويسري.
ففي "زمن غير بعيد، كان الإعلام السويسري يتميَّز بالتنوع والثراء، ثم أخذ في الانكماش بصورة مطَّردة، بعدها بدأ يتهاوى أمام عمالقة الإعلام الرقمي التجاري العالمي، ومن أجل تحصين نسبي للإعلام السويسري الآخذ في الانكماش ضد المزيد من الأخطار، تقدمت وزيرة الاتصال سيمونيتا سوماروجا بتقديم التماس لدى الحكومة والبرلمان بهدف الحصول على دعم مادي حكومي جديد لفائدة قطاع الإعلام، مما يلفت الانتباه في الوضع الراهن هو: وقوف الناخبين في سويسرا موقفًا إيجابيًّا من الدعم الحكومي المباشر للإعلام، كما لم يحدث في أي دولة أوروبية أخرى، حول هذا التحول. يقول ليناردز أودريس، نائب مدير الأبحاث بمركز أبحاث الرأي العام والمجتمع بجامعة زيورخ. لقد كان الفيصل في هذا التأييد الواسع نسبيًّا في سويسرا هو الثقة الكبيرة في الإعلام المحلي"( 4)
وهنا نسأل: ما الذي يمكن أن تقدمه وسائل الإعلام التابعة للحكومة فيما يتعلق بتمكين الحكومة وتعزيز مكانة الدولة في المجتمع؟ ما هي الأدوار التي يمكن أن تلعبها وسائل الإعلام الرسمية حيال تحقيق ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة ودعم السياسات العامة؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لا شك أنها هدف رئيسي في قائمة الأفكار والخطط التي تسعى جميع الأنظمة السياسية في الدول المعاصرة تحديدا إلى الإجابة عنها؛ كونها أحد أهم أهداف وسائل الإعلام الرسمية، بالإضافة إلى كونها منفذا من المنافذ الإخبارية، ووسيلة من وسائل الإعلام التقليدي، فهي كذلك تهدف إلى تعزيز مكانة الحكومة في المجتمع عبر تمكين الحكومة من الاتصال الجماهيري ومنافسة وسائل الإعلام الخاصة من جهة، وكذلك بذل جهد أفضل حيال اللحاق بوسائل ووسائط التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت مصدرا لقوة ومكانة بقية الأطراف غير الحكومية في الدولة المعاصرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع
1 ـ -د. ثامر كامل محمد، المجتمع المدني والتنمية السياسية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي/الإمارات العربية المتحدة، ط1/2010
2 ـ -محمد فتحي يونس، صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 30 أكتوبر 2008، نقلا عن د. فهد العرابي الحارثي، المعرفة قوة والحرية أيضا، مركز اسبار للدراسات والبحوث والإعلام، الرياض، ط1/2010م
3 ـ - اريك شميدت، جاريد كوين، العصر الرقمي الجديد-إعادة تشكيل مستقبل الأفراد والأمم والأعمال-، ترجمة: أحمد حيدر، الدار العربية للعلوم ناشرين، بيروت/لبنان، ط1/2013
4 ـ - رينات كونتسي، تأييد واسع لدعم الإعلام السويسري من خلال التمويل الحكومي المباشر، موقع swissinfo.ch، تاريخ النشر 31/ 10/ 2021، تاريخ الدخول 22/ 12/ 2021م
على الرابط: https://www.swissinfo.ch/ara/47062232