بعد فوزه بالجائزة التشجيعية لأفضل الإصدارات فـي الدراسات التاريخية

مسقط -العمانية: يشكل الاهتمام بالتاريخ وقضاياه المتعددة، إحدى أهم ركائز الحركة الثقافية في السلطنة، فالمشتغلون على أسسه أوجدوا طرقًا تأسيسية لتفعيل خواصه والعمل على إخراجه للمتابع والمتلقي بالطرق التي تؤكد حقائقه، مع تتبع أثره بالطرق العملية التي تؤكد ماهيته.
الدكتور ناصر بن سيف السعدي أحد أولئك الباحثين العُمانيين الذين كانت علاقتهم ولا تزال لها خصوصية بالتاريخ العُماني، فالمتابع لأعماله وجهوده يلمس شغف الباحث واهتمام المتقصي. وفاز الباحث السعدي أخيرًا في جائزة الإبداع الثقافي التي تنظمها الجمعية العُمانية للكتّاب والأُدباء عن كتابه (الأوروبيون في مدونات التراث العُماني) متحصلًا على الجائزة التشجيعية في الدراسات التاريخية، وهنا يتحدّث عن تفاصيل هذا الكتاب وأهميّته والفكرة المحفّزة التي دعته لإخراجه للقارئ العُماني والعربي على وجه الخصوص، ويقول: في الواقع إن المكتبة العُمانية تحوي قدرًا لا بأس به من الأبحاث والدراسات التي تتبعت صورة عُمان ـ تاريخًا وثقافة ومجتمعًا ـ في الذهن الأوروبي، بينما في الوقت نفسه هنالك شح في الدراسات التي تحاول البحث عن صورة الآخر عمومًا، أو الأوروبي خصوصًا في التراث العُماني؛ فالذاكرة العُمانية حملت مشاعر مختلطة عن الأوروبيين. ويضيف السعدي: أحسب أن أهمية هذا الكتاب، الذي هو في حقيقة الأمر عبارة عن دراسة تنبع من كونها حاولت أن تلملم شتات الصورة الأوروبية المتناثرة بين ثنايا التراث الثقافي العُماني وتقديمها للقارئ، إذ تتبعت مختلف أصناف التراث العُماني ـ الأدب، وفقه النوازل، والتاريخ ـ على مدى أكثر من أربعة قرون، واستخلصت منه كل ما ترسّخ في الذهن العُماني من أفكار وتمثلات ورؤى عن الأوروبيين، ووضعته في وعاء واحد.
وفي هذا الوعاء استعرضت الدراسة مراحل تطوُّر نظرة أهل عُمان للأوروبيين، ورصد العوامل التي أثرت في تشكل الصورة الأوروبية، منها العامل السياسي؛ إذ عمل الأوروبي على فرض الهيمنة السياسية والثقافية، ومع ذلك فهذه الصورة السلبية خفتت حدّتها لعوامل أخرى، منها العلاقات السياسية بين عُمان وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى الرحالات العُمانية التي وصلت إلى أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
وهذه القضايا وغيرها ناقشتها الدراسة في عدة محاور، إذ تناولت الدراسة ابتداءً طبيعة المنافذ التي عبرت من خلالها الصورة الأوروبية إلى الذهن العُماني، ورصدت الانطباعات الأولية التي تشكّلت في وجدان أهل عُمان عن الأوروبيين، بالإضافة إلى كل ما سبق حاولت الدراسة أن تلامس بواعث التوتر والقلق الذي ساد الذهن العُماني من كل ما هو أوروبي، ولم تغفل الدراسة أيضًا المظاهر الأوروبية التي أبهرت الإنسان العُماني وأثارت إعجابه وانتباهه. كما يقدِّم الباحث السعدي ماهية وقع تلك المنصات في نقل التاريخ وإيصال مجرياته للآخر، وإلى أي مدى نحن بحاجة إلى مثل تلك المساحات والمنصات الرقمية لتعريف الآخر بماهية تاريخنا ويوضح قائلًا: (المساحات والمنصات الرقمية من أسهل وأيسر الطرق، بل أكثرها فاعلية من وجهة نظري في إيصال المعلومة وتبادلها، فمن هذا المنطلق فالتركيز والعمل على إنشاء مساحات رقمية عُمانية تهدف إلى إيصال الثقافة العُمانية وتاريخها إلى الآخر أصبحت الحاجة إليها ماسّة، بل يجب الاهتمام بالمحتوى العُماني على شبكة المعلومات، وأن يتم ذلك عن طريق عمل مؤسسي ولا يُكتفى بالعمل الفردي التطوعي، وبالرغم من وجود محتوى عُماني إلكتروني وهذا أمر لا يُنكر، ولكنه ضعيف وغير كافٍ من وجهة نظري، كما أنه ناتج في أكثره عن مبادرات شخصية).
■ ناصر السعدي