د. يوسف بن علي الملَّا:
يدرك الجميع أن العطاء ليس صفقة أحادية الاتجاه أبدًا. فقد يؤدي التبرع لجمعية خيرية مثلًا إلى تعزيز دور الأفراد ومعنى البذل والسعي بالصدقات والتي حث عليها ديننا الحنيف. كذلك هو العطاء، فإرسال هدية إلى صديق ما أو الوقوف مع أحد أفراد الأسر والذي يعاني من صعوبات الحياة المتعددة يزيد في تقوية علاقتك به، وعلى أقل تقدير، قد تحصل على شكر وشخص يدعو لك، وهو شعور يلتمسه في زماننا هذا أصحاب الهمم العالية والقلوب التي تنثر الخير باستمرار في مجتمعاتها.
لذلك إذا كنت تريد حقًّا جني فوائد العطاء للآخرين، فعليك التخلي عن انتظار الشكر مثلًا، أو الإعجاب أو الثناء؛ لأنها ضربة سريعة من المتعة. بل إن شعور السعادة أعمق ودائم في العمل الصالح الذي لا يعلم أحد أنك فعلته. وبشكل بديهي فأي هدية تكون فاضلة ـ إن صحَّ لي القول ـ إذا كنت تعرف من سيحصل عليها، ولكن ليس العكس.
ناهيك أنه من شبه المؤكد أن ذلك التبرع أو العطاء النقدي ليس هو المورد الوحيد الذي يمكن أن تقدمه لمجتمعك. فتقديم مثلًا خبرتك وطاقتك وأيضًا عاطفتك يمكن أن يوفر فوائد كبيرة للسعادة لغيرك ولك أيضًا. وبكل تأكيد فالتطوع هو أحد أبواب العطاء المتعددة، وفي بعض الأحيان قد يكون المتطوع مجهول الهُوية يبتغي ثواب ذلك من الله. ومع ذلك، يمكنك على الأقل الامتناع عن التباهي به على وسائل التواصل الاجتماعي.
لذلك أعتقد جزمًا هنا بأنه يجب أن يكون شغفنا أساس عطائنا. لا يتعلق الأمر بالقدر الذي نعطيه، ولكن مقدار الحب الذي نضعه في ذلك العطاء. علاوة على ذلك، عندما نعطي للآخرين، فإننا لا نجعلهم يشعرون بأنهم أقرب إلينا فقط، بل نشعر أيضًا بأننا أقرب إليهم. وبالتالي عندما نعطي، فإننا لا نساعد فقط المتلقي المباشر لهديتنا مثلًا. نحن أيضًا نحفز تأثيرًا مضاعفًا للكرم من خلال مجتمعنا. أوَلست معي أنه عندما يتصرف شخص بسخاء، فإنه يلهم المراقبين للتصرف لاحقًا بسخاء تجاه أشخاص مختلفين؟!
من ناحية أخرى، تلعب أعمال العطاء واللطف أيضًا دورًا وقائيًّا عندما يتعلق الأمر بصحتنا النفسية. ومن ذلك أن هذه الأفعال تحفز (الدوبامين والإندورفين) في مناطق الدماغ، وبالتالي تجعلنا نشعر بالسعادة والإيجابية، وتؤثر على إدراكنا وعواطفنا، وتزيد من تقديرنا الذاتي، لا سيَّما وأنه بعطائنا ولطفنا مع الغير نمنع أنفسنا أيضًا من الوقوع ضحية للاكتئاب والقلق ومشاكل الصحة النفسية الأخرى على سبيل المثال.
ختامًا، سواء كنت تشتري هدايا، أو تتطوع بوقتك، أو تتبرع بالمال للأعمال الخيرية في مجتمعك، فإن تبرعك هو أكثر بكثير من مجرد عمل روتيني في نهاية المطاف. وبكل تأكيد أيًّا كان العطاء، فهو يعطي معنى لكل يوم تعيشه أنت ويعيشه غيرك. فساعدك على بناء روابط اجتماعية أقوى وذلك من خلال إطلاق سلسلة من العطاءات المستمرة ومن خلال مجتمعك... ولا تتفاجأ إذا وجدت نفسك تستفيد من جرعة كبيرة من السعادة في كل يوم من عطائك!