اللوحة تتشكل من مشاعر الفنان وأحاسيسه وخلجات نفسه
■ ■ عمّان ــ العمانية: شغفت التشكيلية الأردنية ردينة آسيا بعالم الفن وهي على مقاعد الدراسة، فكانت بداياتها في المرحلة الابتدائية، واستمرت بصقل تجربتها وصولا إلى الجامعة ثم انقطعت عنه لفترة من الزمن قبل أن تعود إليه محمّلةً بمزيد من الشغف وتجعله مركز حياتها واهتماماتها.
وتقول الفنانة في حديث لوكالة الأنباء العمانية: إن وجوه الجمال تتشكل وتتعدد، مضيفة أن الشكل النسبي وتناسق الألوان على سطح اللوحة وسوى ذلك من العناصر الفنية، (دواعم لتحقيق هذا الجمال وتشكيل رابط بين المادة والروح)، ولأن اللوحة (تتشكل من مشاعر الفنان وأحاسيسه وخلجات نفسه)، فإن قيمتها المعنوية عند اكتمالها تُستمَدّ من هذه الروح، بينما تُستمَدّ قيمتها المادية من شكل اللوحة الخارجي. ■ ■
وتؤكد آسيا أن المصدر الأساسي لإلهامها في الرسم، هو الوطن (فلسطين)، والقضية التي تحاول أن تجسدها في كل جوانب تجربتها الإبداعية التي تشمل الشعر والقصة إلى جانب الرسم.
وتقول في هذا السياق: (أشعر بالواجب تجاه قضيتي التي تخص كل إنسان مسلم وعربي أيضاً)، وتضيف: (واجبي تجاه فلسطين يحتم عليّ رسم خطوط قضيتي وإبرازها على سطوح لوحاتي، فالفن يعكس حضارة الأمة، وهو ناقل مباشر لقضاياها). وتتابع بقولها: (بما أن الوطن هو الملهم لي، فإنني أرسم ما يلامس مواجعنا ومطالبنا بالحرية ونبذ الاحتلال وممارساته المستبدة).
وإلى جانب انشغالها فنيا بالوطن، تتجه آسيا لرسم المرأة كموضوعة متكررة في لوحاتها، وهذا انطلاقاً من أن المرأة (وجه للوطن) أيضا، وتوضح الفنانة ذلك بقولها: (الأم وطن، والزوجة وطن، وكذلك الابنة.. المرأة وطن من روح وقيم وإنسانية).
وترى آسيا في سياق حديثها عن اشتغالاتها المتنوعة، أن الفن هبة تولَد مع الإنسان، ولا بد أن تكون لها بذور فيه تستقي فيما بعد بالدربة والخبرة لتنمو وتكبر، مؤكدة: (يولد الفنان هاويا للفن، ثم يصقل الموهبة بالتعلم.. فالشاعر مثلا لا يكون شاعرا متمرسا إلا من خلال دراسته ولو بشكل مبسط لبحور الشعر، والقاص لا يكون قاصا إلا إذا علم بأساسيات القصة وتقنياتها. وينطبق الأمر نفسه على الفن التشكيلي؛ فإذ لم يحصل الفنان على التعلم الأكاديمي فإنه يستطيع بالمراس والمثابرة أن يتعلم التقنيات في بناء اللوحة، شرطَ أن تكون الموهبة حاضرة منذ البداية).
وبذلك، فإن الخبرة والممارسة حسب ردينة آسيا، (يصنعان ما يصنعه التعلم الأكاديمي إن حرص الفنان على تطوير فنه والارتقاء بتجربته).
وعن التحولات في تجربتها اللونية تقول الفنانة: (كانت بداياتي مع قلم الرصاص والفحم، ثم انتقلت للألوان المائية والطباشير الملونة أيام دراستي في الجامعة، وبعد ذلك استعنت بالألوان الزيتية والأكرليك). وتضيف: (عموما، أميل للألوان المائية - على الرغم أن لوحاتي الأخيرة كانت بالزيتي والأكرليك- إذ وجدتها أقرب إلى نفسي لشفافيتها ولحبها للماء الذي يجعل الخطوط انسيابية).
أما الألوان التي تستهوي الفنانة خلال الرسم، فهي الزاهية والقوية، موضحة في هذا المجال: (لا أحب الألوان القاتمة المعتمة، ولا أميل لاستخدامها على الأسطح، وربما يعكس هذا شيئا من طبيعة روحي).
وتُظهر لوحات آسيا ميلا للمدرسة الانطباعية لما فيها من حسّ وخيال، وكذلك للمدرسة التعبيرية، وذلك بأن يرسم الفنان انطباعه الشخصي عن الشكل الطبيعي الذي يصوره، كما تستهويها المدرسة الواقعية، وهي على أية حال تتجنب السريالية التي يصور فيها الفنان ما يشاهده في أحلامه.
وفي سياق حديثها عن المدارس الفنية، تؤكد آسيا أن الفن الغربي لا يجذبها بأيّ شكل من الأشكال، رادّة ذلك إلى أنها تربط عملها بقضيتها الأم، فهي (امرأة شرقية حتى النخاع). وتكشف عن تأثرها بأعمال الفنانين: إسماعيل شموط، وتمام الأكحل، ومحمد شتية، ورائد قطناني، مؤكدة: (هؤلاء يعكسون ما يثير اهتمامي ويعالجون موضوعات وقضايا تتقاطع مع ما يؤرقني). وحول أعمالها التي تعبّر من خلالها عن القضايا الراهنة للمرأة العربية، تقول آسيا: (من الطبيعي أن أعكس ما تعانيه المرأة أو ما تشعر به من فرح؛ أولاً لأنني امرأة، وثانياً، لأنها تشكل مكونا أساسا في المجتمع). وتظهر المرأة الفلسطينية في لوحات ردينة آسيا بوضوح لتكون مصدرًا لبث الأمل وإنتاج المقاومة، فضلا عن أنها تمثل أيقونة للجمال في نعومتها وأنوثتها وقوتها وإصرارها وصمودها وصبرها. وتقول الفنانة في ذلك: (هذا المزيج هو الذي يشكل المرأة، سواء كانت زوجة بطل أو أم شهيد أو أخت مقاوم أو ابنة معتقل، وفي كل حالاتها تبقى جميلة كبيّارات فلسطين، ورقيقة كبحيرة طبريا، وقوية كجبل المكبّر، وطاهرة كقدسيّة الأقصى).
وليس غريباً أن تتجلى ثيمة الحرب في أعمال ردينة آسيا التي اختبرتها وعاشت تداعياتها على أكثر من صعيد، وهي ترى أن ما مرت به القضية الفلسطينية من أحداث مفصلية بدءاً من وعد بلفور مروراً بإجهاض ثورة 1936 م ثم نكبة 1948 ثم نكسة 1967 وما تبعها من انتفاضات تم الالتفاف عليها منذ التسعينات، شكّلت شخصيتها وجبلت رؤيتها الإبداعية وموقفها تجاه ما يحدث.