ناصر بن سالم اليحمدي:
مر على وطننا الحبيب الكثير من التحديات خلال العام الماضي، منها جائحة كورونا وما خلفته من آثار صحية واجتماعية واقتصادية، وإعصار شاهين وما تسبب فيه من أضرار جسيمة مادية ونفسية، إلى جانب تذبذب أسعار النفط، خصوصا في النصف الأول من العام، وغير ذلك مما لا يخفى على أحد.. ورغم ذلك تمكنت السلطنة بفضل الله تعالى والفكر الحكيم لقائدها المفدى ـ أيده الله بنصره ـ من اجتياز هذه التحديات والتغلب عليها ومواجهتها بكل قوة وحكمة وحُسن تصرف.. فانقلبت هذه المحن والتحديات إلى منح ربانية استفاد منها الشعب العماني الوفي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فمرت علينا أيام كثيرة ومؤشر كورونا يقف عند صفر وفيات، كما هب أبناء عُمان الأوفياء من كل صوب وحدب للوقوف بجانب إخوانهم المتضررين من إعصار شاهين ليرسموا لوحة مشرفة من الوفاء والتكافل والتعاون، إلى جانب أن السياسات الاقتصادية نجحت في تحقيق الاستقرار المالي ورفع الناتج المحلي، وتخفيض نسبة العجز والدين العام الإجمالي لدرجة أن وكالات التصنيف الائتماني مثل موديز وفيتش وستاندرد آند بورز عدلت النظرة المستقبلية للسلطنة إلى مستقرة وإيجابية.
لم تكن الرحلة طوال عام 2021م سهلة وميسرة، بل كانت شاقة ومتعبة نظرا لما ورثته من ديون متراكمة وتراجع اقتصادي طوال الأعوام السابقة.. ولكن بالإخلاص والتكاتف ورسم الخطط الصحيحة التي تنشد الاستدامة استطاعت السلطنة أن تصحح مسارها، وتعاملت مع التحديات برؤية صائبة، وتمكنت خطة التوازن المالي وتحفيز الاقتصاد من تعديل المؤشرات المالية فارتفعت معدلات النمو الاقتصادي وتراجع العجز المالي لأدنى مستوياته.
قد يقول قائل إن ارتفاع أسعار النفط في النصف الثاني من العام هو السبب في تحسين الأداء المالي للدولة.. نحن هنا لا ننكر فضل النفط في تحقيق النتائح المرجوة ولكن بالتأكيد ليس هذا هو العامل الوحيد أو حتى الرئيسي في تحسين الوضع الاقتصادي؛ لأن المال لن يجدي طالما لم تكن هناك رؤية سديدة وخطط صائبة توجهه إلى المكان المناسب، بالإضافة إلى جهود مخلصة تنفذ هذه الخطط بكل دقة وتفانٍ حتى يتحقق الإصلاح الاقتصادي المنشود.
لقد اعتمدت الحكومة في سياستها على تنويع مصادر الدخل وزيادة الإيرادات من القطاعات غير النفطية ووسعت قاعدة الاستثمارات الحكومية والخاصة وفتحت الباب للاستثمارات الأجنبية، وغير ذلك مما ساعد على الدفع بعجلة النمو الاقتصادي.
ومن يتأمل تفاصيل الميزانية الجديدة خصوصا بند مصروفات الوزارات المدنية يجد أن وزارة التربية والتعليم تأتي في المقدمة، تليها الصحة ثم التنمية الاجتماعية وهنا تتضح السياسة التي تسير عليها الدولة فهي تحرص أولا على الارتقاء بالتعليم وهذا توجه صائب تماما لأن التعليم هو قاطرة النهضة وأساسها.. ثم يأتي تطوير القطاع الصحي انطلاقا من أن العقل السليم في الجسم السليم، وبالتالي لن تشتد سواعد المجتمع إلا بالاهتمام بالصحة العامة إلى جانب جهود مقاومة كورونا وتحوراتها.. ثم يلي ذلك دعم أسر الضمان الاجتماعي وأصحاب الدخل المحدود، وهذه لفتة إنسانية تحملها السياسة الحكيمة وتؤدي في النهاية إلى تماسك المجتمع وازدهاره.
لا شك أن الشفافية التي تتعامل بها وزارة المالية وجميع مؤسسات الدولة وفق التوجيهات السامية لجلالة القائد المفدى ـ حفظه الله ورعاه ـ تمنح المواطنين الشعور بالطمأنينية والثقة والأمل في الغد المشرق.. فالكل شركاء في المسيرة وعليهم أن يكونوا أعضاء نافعين ولبنات صالحة في صرح الوطن حتى يرتفع شأنه وتظل رايته عالية خفاقة.
إن مؤشرات الميزانية الجديدة تمنحنا الأمل والتفاؤل ببلوغ أهداف الرؤية المستقبلية الطموحة "عُمان 2040" قبل موعدها وتحقيق تطلعات وآمال المواطنين في القريب العاجل.. وندعو الله سبحانه وتعالى أن يكون العام الجديد مليئا بالخير والسلام والازدهار والإنجازات العظيمة التي تصل بالبلاد إلى أعلى مدارج المجد.
* * *
عندما شرع الإسلام الوقف كان يهدف من ورائه تعزيز مفهوم البذل والعطاء، وأن الجميع في تلبية احتياجات مجتمعاتهم وتعميق فكرة التكافل الاجتماعي ونشر روح الجماعة بين أفراد المجتمع مما يؤدي إلى رقي الوطن ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية له.. ورغم أن الوقف نشأ مع نشأة الدين الحنيف إلا أن ثقافته ما زال يجهلها كثير من الناس فلا يعرفون معنى وزارة الأوقاف والهدف من إنشائها.. فالوقف معناه أن يوقف شخص ما بعض ممتلكاته لتحقيق هدف خيري معين كصدقة جارية على روحه وبشروط معينة.. وبالتالي فإن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تقوم مشكورة بإدارة هذه الأمانة الغالية وتعمل على تحسين استثمارها وفق الشروط التي يضعها الواقف وتضمن استمراريتها قدر المستطاع.
بالتأكيد فكرة الوقف نبيلة ويستحق كل من يتبناها التحية والتقدير خاصة أنها تصب في مجال فعل الخير وبما يعود على المواطنين بالنفع والازدهار.. من هنا تتضح أهمية البوابة العُمانية للشراكة الوقفية "وقف" التي أطلقتها مؤخرا وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالتعاون مع مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية تحت رعاية معالي الشيخ الفضل بن محمد الحارثي أمين عام مجلس الوزراء لتسهيل عملية الوقف وتقديم خدماته إلكترونيا.
إن البوابة الجديدة "وقف" تسهم في تسهيل عملية الوقف لأنها تجمع تحت مظلتها جميع المؤسسات والأسهم الوقفية وأنشطتها وطرق التواصل معها، وهو ما يقرب المسافات بين المواطنين، وهذه المؤسسات فيسهل عليه التواصل معها والمشاركة فيها بما يخدم المجتمع ككل.
ما أجمل أن يمتد خير الإنسان لما بعد وفاته فالصدقة الجارية يستمر أجرها لما بعد موت الإنسان وهذا يعد أرقى أنواع الإنفاق.. ونحن بدورنا نضم صوتنا لصوت سماحة الشيخ أحمد بن الخليلي المفتي العام للسلطنة ومؤسس مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية وندعو المواطنين للمشاركة بالعمل الخيري الذي يقرب العبد من ربه ويعزز من قِيم التكافل ويكسب صاحبها محبة الناس في الدنيا، ويجعلهم دائمي الدعاء له في حياته وبعد رحيله، ويساعد بإذن الله في زيادة حسناته عند ربه ودخوله الجنة إن شاء الله.