د. سعدون بن حسين الحمداني:
يُعد إتيكيت لغة الجسد من أهم العلامات المدنية الحديثة بفن الدبلوماسية وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، ويُعد فن لغة الجسد من أهم الدروس التي تدرس بصورة أكاديمية في المدرسة الفرنسية الدبلوماسية في نهاية القرن السادس عشر، لكنه يعكس شخصية الإنسان في المجتمع. وكلما كانت لغة الجسد مثالية في كل مفرداتها دلَّ على رقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه.
ويُعد إتيكيت لغة الجسد في السلك الدبلوماسي أحد أهم مرتكزات للدبلوماسي الناجح من حيث رقي معلوماته وحنكته وشخصيته، وخصوصا في المحافل الدولية وحضور المناسبات الوطنية في ساحة عملهم.
بدأت المدارس الدبلوماسية تستخدم لغة الجسد كوسيلة مستقلة لتوصيل الفكرة أو بعض أجزائها لجذب انتباه المقابل لما سيطرح، وكان المسلسل الشهير (شارلي شابلن) أفضل برهان على استخدام لغة الجسد وإيصال الفكرة والموضوع بدون كلام.
وتشمل لغة الجسد حركات الجسم وأعضائه، ليعبر عن الحزن والتجهُّم والتبسُّم وكل الانفعالات وخصوصا تعبيرات الوجه؛ لأنه يعد هو الاتصال الصامت وعمقه عند الآخرين.
يعتقد بَعضُنَا أو أغلبنا بشكل خاطئ أن الكلمات والجمل تمثل الجزء الأكبر والأساسي من طرق تواصل الأفراد فيما بينهم.
أثبتت الأبحاث والدراسات أن الكلمات والجمل لا تمثل سوى 65% أثناء المقابلات الشخصية (وجها لوجه) من طرق تواصلنا مع عالمنا، بينما يذهب الجزء الآخر إلى حركاتنا وإيماءاتنا التي تترجم في عقول المتلقين من دون وعي منهم، لذلك كثير من المدارس الغربية، وخصوصا البريطانية منها، أدخلت مادة البروتوكول والإتيكيت، ومنها لغة الجسد كمادة دراسية في البرنامج الابتدائي؛ لما لها من أهمية على شخصية الناس واعتمدتها المدارس والمعاهد الدبلوماسية شرطًا أساسيًّا لقبول الأشخاص المرشحين للعمل للسلك الدبلوماسي كونها من أعمدة وأساسيات العمل في البعثات والتعامل الخارجي مع مختلف الجنسيات والدول.
إنّ المدرسة الإسلامية والقرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة، فإن لغة الجسد من الأساليب التي استخدمها القرآن في كثير من المواضع.
إنّ تعابير الوجه ومعانيها وهي من أهم أعضاء جسم الإنسان التي تُظهر انفعالاته النفسية، وأحاسيسه، يظهر الفرح، الحزن، الهدوء، الانفعال والعصبية، كما في قوله تعالى: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (المطففين ـ 24)، وقال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ، ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ) (عبس 38 و39)، حيث يخبرنا رب العزة عن لغة الجسد، وخصوصا الوجه وتعابيره ليعكس لنا الفرح والحزن والأمان والسعادة والارتياح والكآبة.
وفي المشي ومعانيها فيفضل أن يكون بكل سلاسة وتأنٍّ مع قلة حركة اليدين ليعطي طابع الوقار والرزانة في الشخصية قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) (الفرقان ـ 63)، حيث يحثنا البارئ ـ عز وجل ـ أن يكون مشي الإنسان سواء من الذكور أو الإناث بكل تأنٍّ ووقار ويسمى هذا النمط من المشي في المدارس الدبلوماسية (مشي الملوك) حيث طابع الوقار والهدوء.
وفي حركة تعابير الوجه ومعانيها نقرأ الآية الكريمة قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚقَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّا) (مريم ـ 10)، هذه الآية الكريمة قمة في لغة الجسد ونظرياته لما لها من دلائل كبيرة على المعنى؛ فحبس سيدنا زكريا لسانه وبقي ثلاث ليالٍ يكلم الناس بعلم الإشارة وتعابير الوجه وهدوء النفس وراحة وطمأنينة القلب لما أتاه الله سبحانه وتعالى من مكارم وفضل.
وفي حركة اليد ومعانيها نقرأ الآية الكريمة: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) (البقرة ـ 19)، وهي دلالة الخوف والحذر، أما في استخدام الإبهام أو السبابة وأهميتها فقال تعالى: (أَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (مريم ـ 29).
وفي العين ومعانيها ودلالاتها قال تعالى: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (يوسف ـ 84)، لتعطي دلالة على شدة الحزن وفراق يوسف عن أبيه وابيضت أي: فقد البصر، ومن الجانب الآخر نرى دمع العين له دلالة فرح كبير وتمني بالخير قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ..) (المائدة ـ 83).
أما رسولنا الكريم (صلى الله وعليه وسلم) فقال:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ)، والتي لها معانٍ كثيرة، من حُسن النطق، والمعرفة بالأمور، وعدم التكلم بما ليس لك به علم ولا تجعل لسانك يتكلم بأمور تجلب لك الندامة، والصمت هو أعلى مراحل الصبر والحكمة.
وفي الختام، علينا جميعا ابتداءً من العائلة بإتقان هذا الفن الراقي لما له من انعكاس إيجابي على شخصيتنا والتميز في الأداء بين الجميع؛ لأنه من علامات التحضر والمدنية المعاصر.