مسقط ـ العمانية: أكَّد عددٌ من الباحثين والمختصين في المجال التربوي والاجتماعي أهمية تربية الأبناء بقيم المُجتمع العُماني الأصيل بعيدًا عن تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما أكَّد عليه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ خلال لقائه شيوخ ولايات محافظتي الداخلية والوسطى بحصن الشموخ العامر بولاية منح.
وفي هذا السياق قال سلطان بن سعيد الهنائي المدير العام للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية لوكالة الأنباء العُمانية: “إن الكلمات الأبوية السامية التي وجهها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، ترقى بعُمان حاضرًا ومستقبلًا وهي لفتة كريمة من جلالته ـ أعزَّه الله ـ بشأن أعظم ثروة تملكها عُمان، وإنهم أجيالها المتعاقبون على عمارتها وحمايتها ورعايتها”.
وأكَّد أنَّ الأسرة هي المحور الأساس الذي تنبع منه الفضائل وينضح بالمكارم ويفيض بالقِيم السامية والأخلاق الفاضلة، ذلك لأنها بُنية المجتمع، وقطب عجلة الحياة التي أجمع العقلاء والحكماء والفلاسفة والمربون على دورها الحضاري في الرقي بالإنسان أخلاقيًّا وروحيًّا وفكريًّا وجسديًّا، إذ لا وجود للجنس البشري بغير الأسر المبنية على فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولا تتوالى الأجيال في المجتمعات الإنسانية بغير الأسرة.
وأضاف: إن التوجيه السامي من جلالة السُّلطان المعظم ـ حفظه الله ـ يُلامس مطلبًا مُلحًّا من ضروريات الحياة الآمنة ويلفت أنظار الجميع من الأفراد ـ ذكورًا وإناثًا ـ أو من المؤسسات العامة والخاصة لتؤدي أدوارها ومهامها ومسؤولياتها بوعي وعلم ومعرفة، وأن تتحمل رسالتها بصدق وأمانة وإخلاص، وألا تتوانى في رفع راية التربية السليمة للأجيال وفق المنهج التربوي السليم الذي استقرت عليه الأسرة العُمانية من المبادئ الدينية والقيمية والأخلاقية أو من الأعراف والعادات.
وتابع قائلًا: “إدراكًا من جلالته ـ أعزَّه الله ـ لمخاطر وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة على تربية الأبناء، لأنها مصدر غير آمن لهم وتحمل في مضامينها أفكارًا دخيلة على ثقافتنا، وسلوكياتٍ لا تتلاءم مع مبادئنا، وتنطوي على عادات لا تليق بهويتنا، وتُدس عبرها مفاهيم مغلوطة لا تتفق مع توجهاتنا، وسبب ذلك كله أنها استغلت في غير ما ابتكرت لأجله، ووجهت سلبًا على الإنسانية، مؤكدًا على دور الأسرة والمجتمع في رعاية الأبناء وتربيتهم“.
ورأى الشيخ سلطان بن سعيد الهنائي المدير العام للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أضرت بجوانب متعددة من الحياة، فكان لزامًا على الجميع أن يقف بحزم ووعي وعلم تجاه كل دخيل عبر هذه التقنيات، إن كان يُفارق مبدأ الارتقاء بالإنسان في هذا البلد الطيب الأمين، مؤكِّدًا أنَّ الهدف مقرر ومحدد بالتربية الصالحة للأبناء والبنات لأن بناء الأوطان يعتمد على بنائهم بناءً مُتكاملًا وصالحًا.
من جهتها قالت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية باحثة وكاتبة في التاريخ، عضو مجلس إدارة الجمعية التاريخية العُمانية لوكالة الأنباء العُمانية: “تُمثِّل القيم الأخلاقيَّة الأساس المتين لبنية المجتمع العُماني، لما لها من تأثير قوي على تنظيم العلاقات الاجتماعية، وهي قِيم أسست لبناء الأُسرة ومؤسسات المجتمع المختلفة وقد خضعت هذه القيم لضوابط أخلاقية صارمة مستمدَّة من القرآن والسنَّة والتَّقاليد المتوارثة؛ فالعلم والأخلاق يأتيان في مقدمة الملامح الأساسية التي ضمنت للمجتمع تكامله وتماسكه”.
وأضافت: يؤكِّد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ـ على هذه القِيم الأصيلة للمجتمع العُماني، وعلى أهمية إيلاء الأبناء التربية الصالحة للمحافظة عليها من خلال تعميق الوعي لهذا الجيل بقيم مجتمعه ووطنه، وتربية الأبناء على التواصل الإيجابي مع وسائل التكنولوجيا الحديثة بمختلف أنواعها وقوالبها بما يخدم المجتمعات ويعلي من شأن الأوطان.
وذكرت أنَّ حديث جلالته ـ أعزَّه الله ـ عندما قال في رسالة ينبغي أن تعيها الأسرة ومؤسسات المجتمع كل في مجاله: “علينا أن نحافظ على إرثنا وترابطنا الأسري، وتربية أبنائنا وبناتنا التربية الصالحة”.. فجلالته يؤكِّد على الأسرة وعلى الترابط الأسري كلبنة أساسية للمجتمع، وكقوة وطاقة لنهضة الوطن.
ولفتت إلى أنَّ جلالة السُّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ قد انطلق في بناء عُمان الحديثة من خلال رؤية عميقة قائمة على مجموعة من المرتكزات ولعل أهمها المجتمع العُماني كمكون رئيس ومُنطَلَق أصيل في الوصول إلى عُمان الحديثة التي نستظل اليوم بظلها وننعم بخيراتها وقد استطاع فكر جلالة السُّلطان قابوس المتشرِب بقيم وفكر المجتمع العُماني من خلال فهمه العميق لمكونات هذا المجتمع المتمثلة في الدين الإسلامي واللغة العربية والتاريخ، والثقافة المتنوعة القائمة على: التنوع المذهبي، واللغوي، والسكاني، والبيئي، الذي أكسب هذا المجتمع خصوصية وهُوية متفردة انعكست على قيم وعادات وتقاليد المجتمع العُماني، وقد أكد السلطان الراحل على قيم المجتمع التي ينطلق منها، فقال في إحدى خطاباته: “إن قِيم مجتمعنا عمومًا، وعلاقتنا بالعالم الخارجي كل هذه وغيرها من جوانب حياتنا نتناولها بفكر واعٍ متفتح”.
وأشارت إلى أنَّ المجتمعات في كل حقبة زمنية تتعرض لتحديات يختلف تأثيرها على منظومة المجتمع بالكثير من العوامل يأتي على رأسها الحصانة التي تتشكل لدى المجتمعات من خلال الوعي، وهذا الوعي يتشكل عبر قنوات عدة: الأسرة والمدرسة والمسجد وقنوات الإعلام المختلفة وكلما استطاعت هذه المؤسسات تعميق الوعي بقيم وثوابت ومبادئ المجتمع كلما كان التأثير السلبي لأي تحدٍّ كان، يكون محدودًا وقابلًا للاحتواء والمعالجة.
ورأت أنَّ بعض وسائل التواصل الاجتماعي الحالية أصبحت خالية من معناها لأنها في أحيان كثيرة قطعت أوصال التواصل بين أفراد الأسرة، على مستوى العلاقات والمشاركة، واستوردت قيمًا ومفاهيم دخيلة على مجتمعنا ومتعارضة مع مبادئه وثوابته؛ ففي الوقت الراهن تواجه المجتمعات تحديًا يتمثل في “وسائل التواصل الاجتماعي” المختلفة التي ألغت الحدود المكانية والزمانية بين البشر، كما ألغت الانتقائية كذلك، وهذا يعني صعوبة وضع ضوابط إلا بحدود، ولا يمكن في ظل الانفتاح العالمي على هذه الوسائل منعها وبات الرهان على الوعي المجتمعي وعلى الرقابة الداخلية للفرد للتعاطي الإيجابي مع هذه الوسائل.
وأكَّدت أنَّ دور الأسرة يبرزُ عُمومًا في القيام بدور مهم وفاعل في التربية، ففي ظل المتغيرات التي شهدها المجتمع العُماني ومنها مشاركة المرأة في بناء الوطن عبر مختلف المؤسسات أصبح التحدي مضاعفًا في دورها التربوي لتعدد مهامها ومسؤولياتها، كما يُبرز أيضًا دور المجتمع ككل ودور مؤسسات الدولة في التعاطي مع هذه المتغيرات ودعم دور الأسرة التربوي من الناحية التشريعية ومن ناحية المُمكنات التي تُسهم في تكامل الأدوار بين أفراد الأسرة وأفراد المجتمع.
وتابعت قائلة: “يبرز هنا أيضًا مفهوم ينبغي تعميق الفهم له والدفع به وهو مفهوم “التكافل الاجتماعي” واليوم نحن في أحوج ما نكون للتكافل بيننا في ظل متغيرات كثيرة أثرت على حياتنا ومجتمعاتنا من نواحٍ عدة: اجتماعية واقتصادية وثقافية فنحن كأفراد ينبغي تحسس حاجاتنا حتى نكون بالفعل جسدًا واحدًا إذا اشتكى عضو فيه تداعى له سائر الجسد بالعون والمساندة. وهذا التكافل يشمل المجتمع كأفراد وكمؤسسات ومرافق فالتكافل الاجتماعي بين الأفراد في المجتمع بمختلف أشكاله وأنواعه، يُقدم أعمق صور المسؤولية الاجتماعية، وهو ما يستدعي استحضاره في الوقت الراهن، لأهمية حضوره في المجتمع لما له من بالغ الأثر والتأثير.
ووضَّحت أنَّ مظاهر وأوجه التكافل الاجتماعي تتعدى بين الأفراد في المجتمعات الإنسانية، ولكل مجتمع من تلك المجتمعات خصوصيته المستلهمة من عدد من المكونات أبرزها المكونات الدينية والحضارية، وقد تميز المجتمع العُماني بتمسكه بعقيدته الدينية وشخصيته الحضارية المستقلة، والتي شكلت القاعدة الرئيسة لمظاهر التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع فالتكافل الاجتماعي يعني أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامّة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له عليه واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم. وتتدرج مجالات التكافل الاجتماعي، حيث يبدأ الفرد بدائرته الذاتية، ثم دائرته الأسرية، ثم محيطه الاجتماعي، ثم إلى تكافل المجتمعات المختلفة. فالتكافل الاجتماعي ما هو إلا الوجه الآخر للعدالة الاجتماعية، فمن خلالهما يمكن المحافظة على استقرار المجتمع.
واختتمت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية باحثة وكاتبة في التاريخ، عضو مجلس إدارة الجمعية التاريخية العُمانية حديثها بالقول: “جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ أعزه الله ـ في كل خطاب يُقدم للمجتمع كأفراد وللدولة كمؤسسات رسائل مباشرة وأخرى ضمنية ينبغي أن نحسن كأفراد وكمؤسسات قراءتها والمضي قدمًا في تطبيقها، وبذلك تتحقق المشاركة الفعلية في بناء عُمان التي نريد والتي نتمنى، كما تستحق هي كوطن عظيم وكما نستحق نحن كشعب عظيم يواصل مسيرته ودوره الحضاري عبر رؤية ورسالة ومنهجية بقيادة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق حفظه الله”.
وفي سياق متصل قالت الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية أكاديمية مُتخصّصة في أدب الطفل واليافعين لوكالة الأنباء العمانية إنّ للأسرة دورًا كبيرًا في القيام بهذه المهمة العظيمة، والتي تُعزز استمرارية المنظومة القيمية في المجتمع العماني، فهي تقوم بدور أساسي في تكوين مدارك الإنسان وثقافته وتُسهم في تشكيل القيم والأخلاق التي يتمسك بها ويتخذها كمقومات للسلوك الاجتماعي بما فيها علاقات الآباء بالأبناء، أما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى شبكات التواصل الاجتماعي الأمر الذي حل محل الحوار والمحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة.
وأضافت: استشهد هنا بدراسة أجراها الباحث هشام البرجي حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعية على الأسرة أظهرت النتائج أنّ من تأثيراتها السلبية تقليل الحوار البيني التفاعلي بين أفراد الأسرة بنسبة 65.5 بالمائة وأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأبناء يؤدي إلى تغيير سلبي في سلوكهم بسبب عزلتهم بنسبة 60 بالمائة.
وأكَّدت على أهمية الأدوار التي يجب أن يقوم بها المربِّي، أينما كان موقعه، وهذا يتأتَّى من خلال ممارسات تربوية صحيحة، تتطلب الاتزان والحكمة؛ فأنا لست مع منع اليافع من استخدام هذه الشبكات، ولكنني مع الوسطية التي تستلزم الاستخدام المقنن، تحت إشراف ومتابعة، ويسبق ذلك تمكين هذا اليافع من مهارات التعامل مع العالم الرقمي ومعطياته، ورسم سيناريوهات لما قد يحدث له، وما سيتعرض له في هذا العالم المفتوح على مصراعيه، إضافة إلى تعزيز الرقابة الذاتية لديه، كل هذه المهارات لهي مطلب أساسي شأنها شأن أي احتياج آخر للإنسان.
وتابعت قائلة: “علينا التسليم بأن تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي لا يعني أنها المُلامة كليًّا على ظهور المشكلات المجتمعية والأسرية؛ إذ إن هذه المشكلات كانت ستحدث حتمًا، إما بسبب ضعف العلاقات الأسرية، وإما بفعل المتغيرات الحضرية التي ستصيب أو أصابت الأسر والمجتمع، لذا فإن تعرُّض أفراد الأسرة لتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي أمر لا مفرَّ منه”.
ولفتت إلى أنَّ ما يحدد نوع هذا التأثير مجموعة من المحددات، تتمثل في طبيعة تعامل الشخص مع هذه الوسائل، والأهداف التي يسعى لتحقيقها من خلال ذلك، ومقدار الثوابت الراسخة الموجودة في منظومته القيمية، وبوصلته الشخصية؛ لذا وجب التنويه إلى أن أسلوبي الحوار والنقاش مع الأبناء، ومشاركتهم فيما يقومون به، لهما وسيلتان ناجعتان تجعل المربِّي على اطلاع بما يدور في الخفاء، وتقلل من الفجوة التي تحصل بين الأجيال، وتمتّن العلاقات الأسرية، وهذا من شأنه تشكيل جدار حماية لثوابت الأسرة وقيمها وهويتها.
وأكَّدت أنها ترى من الأهمية وجود خط موازٍ يُعنى بالتوعية والتثقيف، وفتح أبواب الحوار والشفافية مع الآخر من خلال اللقاءات المتنوعة واقعيا وافتراضيا، وإشراك المجتمع في التقييم لهذه الآثار، واقتراحه للحلول التي يراها الأنسب للحدِّّ من الآثار السلبية التي تخلقها تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي على أفراد الأسرة.
وذكرت أنَّ شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت شريكًا مجتمعيًّا افتراضيًّا يتم من خلاله تمرير كثيرٍ من الأفكار والمعتقدات والمعارف والقيم وغيرها للنسيج المجتمعي الواقعي، والتأثير هنا اتخذ مسارين، إما التأثير السلبي الذي نرى نتائجه واضحة في حياتنا اليومية، وهناك المسار الإيجابي الذي استطاع خلال فترة جائحة كوفيد 19 أن يُعزّز حضوره، ويكسر الصورة النمطية المتداولة عن شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضافت أنَّ الانتقال السريع الذي تم كان مطلبًا مهمًّا لاستمرار العملية التعليمية، لمنع الإضرار بالمستويات المعرفية والتربوية لدى مختلف شرائح المجتمع، ولكن ما سبّب الفجوة وإيجاد إشكالياتٍ هو عدم وجودة أرضية مُمهدة لهذا الانتقال، وأقصد بذلك أن التعليم كان معتمدًا بنسبة كبيرة جدًّا على الحضور الفعلي، ولم تكن الوسائل التكنولوجية حاضرة في المشهد التعليمي إلا فيما يرتبط بالجانب التطبيقي، أو الابتكاري؛ لذا فإن الطفل الذي لم يمسك جهازًا ذكيًّا من قبل، أو الطفل الذي اعتاد تقنين استخدامه للجهاز بساعة أو ساعتين من قبل الوالدين كان معرضًا للجوانب السلبية بحكم عدم التهيئة النفسية، والاجتماعية، وتمكينه من مهارات التعامل مع العالم الافتراضي.
ورأت أنَّ هناك إشكاليات أخرى لكن في المقابل نجد أن صناعة المعرفة لاقت رواجًا في هذه الظروف الاستثنائية، وأصبح لدى الطالب مصادر متنوعة للمعرفة، كما أنه لم يعد متلقيًا لها، بل شريكًا في إنتاجها ونشرها والترويج لها. أضف إلى ذلك أن اليافع أصبح أكثر تفاعلًا، وارتفع لديه تقدير الذات، وقوّضت شبكات التواصل الاجتماعي كثيرًا من السلوكيات كالخجل، وعززت الذكاء الاجتماعي والوجداني، ومكَّنت المستخدمين لها من مهارات التواصل المختلفة.
واختتمت الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية أكاديمية مُتخصَّصة في أدب الطفل واليافعين حديثها قائلة: “إن شبكات التواصل الاجتماعي بما تقدِّمه من ثراء معرفي غير مؤطر بحدود جغرافية أو زمانية معينة، إضافة إلى مجانيتها، وسهولة التعامل معها من قبل الشريحة الأكبر من أفراد المجتمع يحتاج إلى جهودٍ جبَّارة على مستوى المجتمع أفرادًا ومؤسسات، ومتى ما كان الوعي حاضرًا فإن التهديدات التي تتعرض لها الثوابت والقيم لن يكون لها كبير التأثير، خصوصًا أن مواكبة التطورات العالمية هو حاجّة ماسة لكل مجتمع، وهذه المواكبة تحتاج إلى فطنة وحكمة بحيث تتم العملية دون المساس بالهوية والمنظومة القيمية وغيرها من الرواسخ المجتمعية، وقد أشير هنا إلى أهمية تمكين الأبناء من مهارات التفكير المختلفة، فهذه ستشكل حاجز وقاية لهم وللمجتمع، وستغربل لديهم ما يتلقفونه من سيول معرفية وتيارات فكرية تحوي الغث والسمين”.
وقال الدكتور خلفان بن سالم البوسعيدي رئيس قسم التنمية الأسرية بدائرة التنمية الاجتماعية بولاية بركاء لوكالة الأنباء العُمانية إنَّ حديث حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في تربية الأبناء بقيم المجتمع العُماني الأصيل يأتي إدراكًا من جلالته للخطر المُحدق لهذه الفئة خاصة مع وجود بعض السلوكيات السلبية وتأثرهم بها بشكل أكبر، مُؤكِّدًا أن تعزيز تربية الأبناء يبدأ من الأسرة والمؤسسات التربوية الأخرى سواءً عبر المساجد أو المدارس أو الإعلام وغيرها.
وأضاف: على الجهات المُتخصّصة القيام بدورها عبر حجب بعض البرامج المُسيئة والتي تحمل أفكارًا هدامة إضافة إلى بعض الألعاب الإلكترونية المُدمرة خُلقيًّا وسُلوكيًّا لدى الأبناء.
وأكَّد أنَّ الأسرة تُعدُّ الحاضن الأول والقناة التربوية الأولى التي تنطلق منها القيم والمبادئ والأخلاق فإذا أُسست الأسرة على هذه الجوانب فسيخرج منها أبناء ملتزمون بقيم وعادات المجتمع العُماني الأصيل موضحًا أن حسن اختيار الزوجين له من الأهمية في وجود انسجام وتفاهم سيُسهم في انتقال محاسن هذا الزواج على الأبناء.
وذكر أنه لا يُمكن إلقاء اللوم بشكل كبير على الأسرة بسبب بعض العادات التي قد يتأثر بها الأبناء أحيانًا خارج نطاق الأسرة ويعود لتأثرهم ببعض السلوكيات المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي التي تُسهم في إكساب الأبناء قيمًا ومبادئ بعيدة جدًّا عن قيم المجتمع العُماني.
ويرى الباحث الاجتماعي مبارك بن خميس الحمداني أنَّ تركيز حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على موضوع التنبه إلى التنشئة الاجتماعية وإعادة التفكير في قيمها ومرتكزاتها الأساسية هو دعوة إلى إعادة الاعتبار لدور المؤسسات الاجتماعية الرئيسية في منظومة تربية الأبناء وأهمها الأسرة.
وقال لوكالة الأنباء العُمانية: “الواقع المتحول الذي تعيشه مجتمعات العالم اليوم وليس المجتمع في سلطنة عُمان باستثناء من ذلك يتجسد في دخول مؤسسات/‏ وسائط بديلة تحاول تشذيب دور المؤسسات الاجتماعية المركزية وإيجاد مصفوفة لسد “الاحتياجات والرغبات” وتلبية الإشباعات التي كانت تحققها مؤسسات التنشئة الأصيلة وعلى رأسها الأسرة”.
وأضاف: في الحديث عن دور الأسرة في ترسيخ القيم الاجتماعية فإن ثمة متطلب مهم يجب أن يدركه المربون يتجسد في المفهوم الواسع للقيم والتصنيفات والتداخلات والاشتباكات التي تقوم عليها هذه القيم وفي تقديرنا فإن إدراك المربين لهذه التشابكات يساعدهم في تخيّر الأسلوب الأمثل لنقل هذه القيم عبر عمليات التعلم الاجتماعي التي تجري في محيط الأسرة أو البيئة الموازية لها.
وذكر أننا كمختصين في العلوم الاجتماعية نقسم القيم حسب أسس مختلفة ومنها التصنيف على أساس محتوى القيم فهناك قيم (نظرية - اقتصادية - جمالية - دينية - سياسية - اجتماعية) ولكل منها أساس وطرائق تدبير ونقل تقوم عليه.
ولفت إلى أنَّ المسؤولية الوازنة للأسرة عبر كافة أفرادها تبقى بكيفية التمسك بزمام رسم خريطة هذه القيم وفقًا للمبادئ التي تتسق مع حفظ التكيف الاجتماعي للفرد وتجعله مندمجًا في النسيج المجتمعي بالشكل الصحيح وحافظًا للدورة الثقافية والجيلية بشكل لا يؤثر على البنية القيمية والحضارية للمجتمع.
ورأى أنَّ تضافر المؤسسات الاجتماعية من الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية وجماعات الأقران والمؤسسات الشبابية واتساق رسالتها القيمية ووضع الإطار المحكم لعملية نقل القيم عبر الأجيال من شأنه أن يعيد الدور لهذه المؤسسات ويساعدها على ممارسة فعل محوري في حفظ الدورة الثقافية للجيل.
وفيما يتصل بأثر وسائل التواصل الاجتماعي قال مبارك الحمداني: “من أهم المقاربات العلمية التي تمكننا من فهم ما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي في البناء القيمي والتنشئة المجتمعية هو منظور “الاستخدامات والإشباعات” والذي يعطينا تصورًا أن الأفراد عمومًا إنما يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لغرض إشباع رغبات معينة وتحقيق أهداف معينة وتلبية مقاصد محددة وبالتالي تدافع المحتوى الموجه والمتداول على مواقع التواصل الاجتماعي إنما هو حالة من تدافع تلبية تلك الرغبات والتطلعات ومن خلالها يتكاثر المحتوى بأنماط بصرية متعددة وبأشكال قيمية متباينة وفي هذه الحالة تستطيع هذه المواقع أن تسحب البساط عن عمليات اجتماعية أصيلة يتوجب على المؤسسات الاجتماعية المركزية القيام بها”.
ولفت إلى أنه في هذا السياق لا بد من التنبه إلى محورية الدور الأسري في فلترة تلك الاستخدامات والحضور والنشاط والفاعلية على هذه المواقع، البناء القيمي الراسخ. وتخير الطريقة المناسبة لنقل القيم الاجتماعية لأفراد الأسرة وتخير الأساليب التربوية الفاعلة التي ترسخ معطيات فهم الهوية والأخلاق والقيم لدى الأبناء هو العامل الرئيس في الاستخدام الواعي لتلك المواقع وفي مراعاة الاعتبارات الاجتماعية للناشطين عليها وعدم تجاوزها.
وأكَّد الباحث الاجتماعي مبارك بن خميس الحمداني في ختام حديثه أنه على الأسر في الوقت الحالي أدوار أساسية ليس فقط على رقابة الاستخدام وإنما في فتح مساحات حوار واقعية داخل المحيط الأسري وفهم الأساليب المُثلى للتوعية بالقيم وإدماج أفراد الأسرة في صلب عمل المؤسسات الاجتماعية الواقعية لإدراك واقع المجتمع ومهدداته وتحولاته ومُستجداته وحيثياته وفي المجمل يقع الدور اليوم أيضًا على راسم السياسة الاجتماعية بتحويل مسار تلك السياسة إلى سياسة قائمة على الأسرة بدلًا من الفرد وترجمة ذلك في مختلف الخطط والبرامج والاستراتيجيات والأنشطة وتصميم السياسات العامة بشكل عام وهذا ما نرجوه من المؤسسات المعنية بهذا الشأن.