ما رأي سماحتكم في الرجل الذي يقوم بالعقد على المرأة المتوفى عنها زوجها، أي بمعنى قراءة نية عدة الوفاة عليها؟
أولًا علينا أن ندرك أن النية هي عقد العزم بالقلب وليست نطقاً باللسان، وذلك مفهوم من نفس دلالتها اللغوية، فإنه لو قال قائل : نويت بالأمس أن أزورك لم يفهم السامع منه إلا قصد الزيارة ، ولا يمكن أن يفهم منه أنه كان يردد أنه سيزور فلانًا، والنية المطلوبة شرعاً إنما هي أن يقصد الإنسان بعمله وجه ربه ، وذلك هو الإخلاص المراد في قوله تعالى:(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة ـ 5)، والإخلاص سر بين العبد وربه، والنية ضرورية في الأمور التعبدية، التي هي غير معقولة المعنى، كالوضوء فإنه غسل لجوارح معينة من الجسد من دون أن تكون متلبسة بنجس أو دنس، ولا تلزم في الأمور المعقولة المعنى كغسل النجاسات، وإن كانت تنبغي ، والعدة هي في أكثر أقوال أهل العلم من النوع الثاني، فلذلك لو مات رجل ولم تعلم امرأته بوفاته حتى مضت أربعة أشهر وعشرة أيام لأجزاها ذلك عن الاعتداد فيما بعد على قول أكثر أهل العلم ، ومن يرى خلاف ذلك لا يشترط التلفظ بل يجزيها القصد بالقلب إجماعًا، على أنا لو سلمنا ما يقوله العوام من ضرورة التلفظ فكيف لا تتلفظ بنفسها؟ ولماذا يتوقف ذلك على أن يدخل رجل يقرؤها النية؟ وهل العدة أشد من الصلاة والصيام والزكاة والاغتسال من الجنابة والحيض والوضوء؟ ولماذا لا يدخل عليها رجل ليقرئها النية في هذه الأحوال؟ حتى إن العوام يظنون أن العدة لا تصح لو قرأت النية بنفسها أو أقرأتها امرأة مثلها، فالله المستعان إن منشأ ذلك كله الجهل وعدم فهم الدين.. والله أعلم.
هل يمكن أن نضع المصحف كزينة داخل البيت مع العلم أنه يوجد مصحف أو مصاحف أخرى نتلومنها آيات الله، وهل لا بد علينا أن نقرأ من هذه المصاحف أم نكتفي بالمصحف الذي نقرأ منه دائماً؟
الكتاب هو زينة عندما يُعمل به، الكتاب العزيز ليس زينة تترك على الرفوف، وإنما الكتاب العزيز هو زينة الحياة عندما يطبق ويعمل به ويحكّم في كل دقيقة وجليلة ويهتدى بهداه وتزين الألسنة بذكره وتعمر القلوب بهداه، عندئذ يكون زينة في هذه الحياة وجمالاً، لأنه هو كلام الله تبارك وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أُنزل ليكون هدى، هدى للمتقين،هدى للمحسنين، هدى للمؤمنين .
فالقرآن الكريم لا ينبغي أن يكون مجرد حاجة تزين بها البيوت كما أفهم من هذاالسؤال، هذا مما يحط من قدر القرآن، الله تبارك وتعالى يصف القرآن الكريم بقوله ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الإسراء ـ 9)، ويقول سبحانه:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء ـ 82)، ويقول:(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَاالْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الحشر ـ 21).
فمن كانت عنده مصاحف كثيرة ينبغي له أن يؤثر بهذه المصاحف من لا يوجد عنده مصحف من الناس، وكم من الناس محتاجين إلى مصاحف، ونحن نعرف في أصقاع الأرض في بلاد الإسلام الكثير من الناس يفتقرون إلى المصحف، بل ربما عند طائفة من المسلمين عندما يجدون المصحف يعتبرون أنفسهم وجدوا كنزاً ثميناً يحرصون عليه، فأين هذا الإنسان الذي عنده فضلة في المصاحف بحيث لا يحتاج إلى أن يقرأ منها أين هو من إعطاء هذه المصاحف لمستحقيها لمن يقرؤها ويعمر البيوت بتلاوتها ويعمر القلوب بذكر ما فيها !هذا مما يعود خيره على الجميع، وبهذا تزدان حياته لأنه عمل عملاًصالحاً يزيّن حياته ويتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى ويكون له ذخراً في المعاد.