جودة مرسي:
تسهم البنية الأساسية بنسبة كبيرة في عملية الجذب الاستثماري إن لم تكن هي العمود الفقري للنجاح في جذب المستثمرين، سواء محليًّا أو عالميًّا، وكان للسلطنة عين ثاقبة ورؤية مستقبلية شديدة العمق والنجاح في إنشاء هذه البنية عن طريق تطوير وإنشاء موانئها، سواء الداخلية بالإنشاء والتطوير أو الخارجية بالتعاون المشترك مع دول الجوار والامتداد، في إطار علاقات التعاون الإقليمية والدولية. كانت هذه قواعد البناء الذي تبنته السلطنة مع بدايات النهضة ومواصلة تطويرها من خلال رؤية النهضة المتجددة التي يقود مسيرتها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ سعيا لتعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره وتحقيق الاستدامة المالية، وفقًا للرؤية المستقبلية "عُمان 2040" التي انطلقت مطلع العام 2021 وتستمر وفق خطط تنموية خمسية، لتحقق بانتهاء الرؤية نموًّا اقتصاديًّا مستدامًا بمعدل 5% سنويًّا مع زيادة متوسط دخل الفرد 90%.، ساعد في ذلك الموقع الاستراتيجي والمكانة العالمية المتميزة إقليميًّا، ودوليًّا، التي تتمتع بها سياسات ومواقف السلطنة، بالإضافة إلى عنصر الأمن والسلام.
كل هذه المفردات جعلت السلطنة تخطو خطوات واسعة تجاه النهضة العمانية المتسارعة ومن مظاهر هذه الخطوات المشاركة في محور عشق آباد والذي تشاركه السلطنة مع كل من قطر وإيران وتركمنستان وأوزبكستان. لما يدركه التوجُّه الوطني من التطلعات المستقبلية المتواكبة مع رؤية النهضة الداخلية، فمن الناحية التاريخية يهدف المشروع لإحياء السلطنة كأنشط مراكز التجارة والترانزيت على امتداد طريق الحرير في الماضي، ومن الناحية المستقبلية ربط موانئ الدول المشاركة في المشروع بشبكة الطرق بها لتكون المنطقة الجديدة وسيطا تجاريا يربط بين شرق آسيا وغربها مع جنوبها ووسطها.
أما على الصعيد الداخلي فيأتي الاهتمام بالمشروع الاستراتيجي والذي يمثل نقطة فارقة في تنمية الاقتصاد وهو ميناء الدقم الذي يقع على الشاطئ الجنوبي الشرقي للسلطنة، ويجاور أكبر مشاريع النفط والغاز والتعدين في البلاد، إذ تشتمل المرحلة الأولى من مشروع ميناء الدقم رصيف رسو للأغراض التجارية بطول 2200 متر وقنوات بعمق 18 مترًا جاهزة لاستقبال جميع أنواع السفن، ليأتي السعي لتعزيز المنطقة اللوجستية به والحوض الجاف والمنطقة الحرة، والتي بدورها تعد مركزا تجاريا عالميا، يوفر للسلطنة فرصا كبيرة للاستثمار وفرص عمل للشباب بجانب تحويلها إلى نقطة جاذبة للاستثمار السياحي وليس الاقتصادي فقط، وتغيير شريحة السائحين الذين يستهدفون المنطقة بالزيارة.
ميناء الدقم يتكامل داخليا مع الموانئ الحيوية الأخرى في صلالة وصحار بجانب تعزيز شبكة الطرق البرية والبحرية ومشروع السكك الحديدية، وهذا ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على المواطن، سواء من ناحية مستواه المعيشي الذي سيشهد طفرة كبيرة مع بلوغ هذه المشاريع إلى مراحلها النهائية من الإنشاء والتشغيل، أو على مستوى الأسعار التي ستنخفض بشكل ملحوظ بسبب سهولة المواصلات وتنشيط التجارة الداخلية من ناحية، والتجارة الخارجية مع كافة دول العالم من ناحية أخرى.
يدخل مشروع الدقم ضمن فئة المشاريع العظمى في العالم، مثل مشروع شق قناة السويس في مصر، وبناء السد العالي، ومشروع النهر العظيم في ليبيا، ووادي التكنولوجيا في الهند، وغيرها من المشاريع العملاقة التي أحدثت طفرة اقتصادية غير مسبوقة في الدول التي قامت بها.
لذلك فإن السلطنة تعول على وعي المواطن ودوره البناء في المساعدة في إنجاز هذا المشروع العظيم، الذي يمثل المستقبل والطريق الذي يوصل السلطنة للعالمية، ويجعلها قبلة العالم ومحط أنظاره التجارية والاستثمارية والسياحية.
في كل الأحوال، إن مثل هذه المشاريع تعزز من وضع السلطنة على الخريطة التجارية والاستثمارية ليس في المنطقة وحدها، بل في العالم كله. إن إنشاء الموانئ، سواء البحرية أو الجوية والبرية هي عصب التجارة والاقتصاد المحلي والعالمي والسلطنة بموقعها الاستراتيجي تحاكي العالم بأهميتها كوجهة للتجارة والاقتصاد، مع ثقلها كواحة للسلام العالمي.