د. رجب بن علي العويسي:
تحتفل شرطة عُمان السلطانية في الخامس من يناير بيومها السنوي "يوم الشرطة"، وسط إنجازات شرطية تجاوزت حدود البيانات والإحصائيات، وفاقت مؤشراتها لغة الوصف والسرد، والملخصات والاختصارات، حتى أصبحت شاهدا على ما تحقق على أرض عُمان من أمن وأمان، وسلام واستقرار، وتقدم وازدهار، ذاكرة تاريخية ماجدة في فقه الأجيال القادمة، واستحقاقا شرطيا يجسد عظمة الدور الاستراتيجي لـ"شرطة عُمان السلطانية" في منظومة العمل الوطني، وموقعها المتقدم في مسيرة النهضة العُمانية الحديثة، ترسيخا للأمن، وتحقيقا للنظام، وإنفاذا للقانون، ورعاية للقِيم والمبادئ الأصيلة، وتأصيلا للمواطنة والهُوية العُمانية.
ويمثِّل الاحتفال بيوم الشرطة في قاموس العمل الشرطي وقفة أمل وتأمل لما تم تنفيذه من مشروعات وبرامج شرطية، وتحقق من فرص نجاح عالية لها في مقاييس الأداء المؤسسي الفعال والكفاءة الشرطية، واستدراك عن قرب لكل الفرص والتحديات والتوجُّهات، وفي ظل عالم سريع التغير يؤدي فيه النسق الشرطي دورا استثنائيا، في تشعب مساراته، وتعدد مهامه، وتنوع أدواته، وعمق المتغيرات والأحداث التي يتعامل معها، وفرصا تقييمية لتحديد بوصلة التوجُّه القادم بما يتواءم مع معطيات الحالة العُمانية، أين كنا؟ وأين الآن؟ وما هي توقعاتنا القادمة؟ وماذا أعددنا للمرحلة من سيناريوهات وبدائل واستراتيجيات لمواكبة حجم التطوير الحاصل في المنظومة الشرطية من جهة، والتوجُّهات الاقتصادية الوطنية من جهة أخرى، من خلال تعزيز الجاهزية في التعامل مع المخاطر والمنغصات التي تؤثر سلبا على التوجُّهات الاقتصادية من حيث: ترويج الاستثمار، والتنويع الاقتصادي، وتعزيز الاقتصادات الواعدة، بالإضافة إلى المحافظة على المكاسب الوطنية والاستحقاق العُماني في حصول السلطنة على المرتبة الأولى عالميا في مؤشر وقوع الإرهاب والذي يعكس خلوها من الهجمات الإرهابية بفضل الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به وانعكس ذلك بدوره على جهودها في مؤشر تكلفة الجريمة المنظمة، مرحلة تضع الرهان على العمل الشرطي في تحقيق رؤية عُمان 2040، في بناء منظومة وطنية كفؤة، قادرة على التعاطي الواعي مع التحديات التي يواجهها المجتمع في جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في ظل معطيات جائحة كورونا (كوفيد19) وفق أدوات مبتكرة واستراتيجيات مقننة، ليضيف ذلك فصلا آخر في مساهمة الشرطة في الاقتصاد الوطني وعبر مساهمة الإيرادات الشرطية في تعزيز الموازنة العامة للدولة، ومشاركتها الفاعلة في تحقيق أولويات رؤية عُمان 2040 بمال تتيحه من فرص التوظيف والتشغيل والتأهيل للشباب العُماني وإلحاقها في مختلف الوحدات والإدارات ومواقع العمل الشرطية الخدمية والأمنية.
لقد أدركت القيادة العامة للشرطة أن بناء جهاز شرطي عصري، قادر على المشاركة الوطنية الفاعلة، وتوفير كل الوسائل الممكنة والداعمة لضمان تنفيذ سياسات الدولة، وتحقيق الأهداف الوطنية العليا، بحاجة إلى امتلاك الشرطي لكل الفرص التدريبية والتعليمية والتأهيلية والتخصصية، ليؤدي دوره وكفاءة وإتقان، ومع التطور الكمي المشهود في المنشآت والأبنية والمرافق الخدمية والتجهيزات الفنية والمكاتب الإدارية، اتجهت رؤية العمل الشرطي نحو التحليق بالعين الساهرة فوق سموات العطاء والإنتاجية، لتصنع من البيئات الشرطية بما فيها من مراكز خدمية وأمنية ومراكز للتوقيف أو غيرها من المنشآت في مختلف القيادات الجغرافية بولايات السلطنة ومحافظاتها، عناوين للعطاء المتجدد، وبيئات للابتكار، ومختبرات لصناعة القدرات، ومراكز تدريب لصقل المهارات، وبيئات ترويحية وثقافية وتعليمية وتطويرية تحمل أهدافا استراتيجية وأنماطا متجددة وأساليب راقية ومنهجيات دقيقة، وفق مواصفات ومعايير أداء، تضع الإنسان أولوية الأوليات وفي مقدمة العمل وغاية القصد وطريق بلوغ الهدف، فكانت بذلك استحقاقات نالتها العين الساهرة إجلالا لدورها، واعترافا بفضلها، وصاغ المنجز الشرطي لحنا جديدا في تجسيده لمفهوم البيئات الشرطية، تجاوز كل أشكال التقليدية المعتادة، في ظل فضاءات ممتدة تبهر النفس، وتريح القلب وتسعد الروح، ويطمئن بالنظر إليها واستيعاب محتواها لما تختصره من إبداعات وجماليات، محطات للتأمل والوقوف على عظمة هذا المنجز، وطريقة تنظيمه، بما تعكسه من حس الإبهار النفسي، ومعاني الرقي والذوق في علاقتها بالإنسان، ومراعاتها للجوانب النفسية والفسيولوجية والاجتماعية والترويحية له، فهي بيئة جمالية راقية، ومناخ تعليمي وتدريبي، يفتح لمنتسبي الشرطة فرص الاستقرار الوظيفي والجاهزية المصحوبة بالتفاؤل والإيجابية والاستمتاع، وتنقل في العين الساهرة فرص الشعور بإنسانيتهم، وتقدير القيادة لهم، والاهتمام بكل ما يعزز فيهم فرص الإنجاز، ويقوِّي فيهم روح الجدية محاكية للواقع العملي الذي يعايشه الشرطي، متناغمة مع رسالة الشرطة، متجاوبة مع المواقف التي يعايشها، معززة بأنظمة وقواعد يشترك الجميع في تنفيذها والالتزام بموجهاتها وفق طبيعة المهمة، وعبر ربط المنجز الشرطي بالمورد البشري، واستيعابه لمتطلبات المواطن واحتياجاته من الخدمات الشرطية.
ولمَّا كان المتوقع من الممارسين لهذه الرسالة أن يكونوا في مستوى الجاهزية والاستعداد النفسي والمعرفي والبدني، والاستيعاب لكل التحوُّلات والخصوصيات والثقافات المجتمعية، الأمر الذي على جهود الشرطة في التعاطي مع جائحة كورونا (كوفيد19) ودعم جهود اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، في سبيل تعزيز الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية وقرارات منع الحركة والإغلاق الكلي أو الجزئي في فترات سابقة، هذا الأمر اتجه أيضا إلى جهودها النوعية في التعاطي مع الحالات المدارية والأنواع المناخية التي تعرضت لها السلطنة في فترات متعاقبة، والحالة المدارية "شاهين" في إبريل من عام 2021 سواء من خلال اللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة أو المركز الوطني، وجهود الوحدات الشرطية التخصصية والإدارات العامة، والإدارات الجغرافية وغيرها في بناء روح المسؤولية وتعزيز أطر الوقاية في إدارة الحالات الطارئة والتخفيف من الأضرار الناتجة عنها؛ فإن الحديث عن دور الشرطة في صياغة معطيات المرحلة وظروفها، يسطِّر بين حروفه الكثير من الموجهات التي انتهجتها شرطة عُمان السلطانية في سبيل تحقيق مسؤوليتها الوطنية، وهي تحتفل بيوم الشرطة الماجد، تستشرف في التوجيهات السامية والرعاية الكريمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى ـ حفظه الله ورعاه ـ نهجا مستنيرا في مسيرة البناء والتطوير، والإسهام الفاعل في بناء عُمان المستقبل، منطلقة من فلسفة الأمن وأصوله وثوابته، وترسيخ قِيم السلام والمواطنة طريقها نحو المستقبل، مجددة عهد الولاء والعرفان للقائد الأعلى، ومؤسِّسة لمرحلة جديدة من العمل الشرطي النوعي، قوامها الشراكة الفاعلة، والتخطيط السليم، والتنفيذ الأمين، وحوكمة الأداء الشرطي، وتعزيز نظم الإدارة وقياس الأداء والشفافية والنزاهة والضبط والربط كمنطلقات لتحقيق رسالتها السامية، ومسؤوليتها في تحقيق العدالة والأمن والاستقرار والمحافظة على حقوق المواطنين، فإن خلف هذا الاستحقاق الشرطي المتفرد، إخلاصا وتضحية، ووفاء وولاء، وعرفانا وانتماء، وحسًّا شرطيا مسؤولا، يعمل بصمت، ويتقدم بثبات، وينجز بمهنية.
أخيرا، يأتي التشريف السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى ـ حفظه الله ورعاه ـ لرعاية احتفال شرطة عُمان السلطانية بيوم الشرطة السنوي، الخامس من يناير، لهذا العام وتخريج دورات من الضباط على ميدان الاستعراض العسكري بأكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة، وسام استحقاق للثقة الميمونة والرعاية السامية الكريمة للقائد الأعلى ـ أعزَّه الله ـ لشرطة عُمان السلطانية، بما حققته من تقدم وتطور في مسيرة التنمية الوطنية، في كافة المجالات الخدمية والأمنية والشرطية لبسط أشرعة الأمن ونشر مظلة الأمان والسلام والاستقرار في ربوع عُمان الغالية، وهي تستلهم من توجيهات القائد الأعلى ـ حفظه الله ورعاه ـ معاني الشموخ والإباء، والعزة والكرامة، طريقها لبناء القوة وتحقيق الأمن، وترسيخ النظام، وسيادة القانون، والمشاركة المنهجية في تحقيق برامج التنمية، وحماية الإنسان وصون كرامته، والمحافظة على الموارد الوطنية والتثمير فيها للأجيال القادة، في شموخ المنجز الشرطي، وعظمته، وهيبته، وقوة ما يحمله من رسالة الأمن والحياة، ويؤكده من هدف المحافظة على المكاسب الوطنية ومنجزات النهضة، تحكي قصة نجاح مبهرة، ومنهجية عمل محكمة، باتت شاهدة على ما تحقق من منجز شرطي يحلق في سماوات الإبداع والتجديد، مستحضرا هاجس المواطن، وملبيا احتياجاته، وداعما له في إنتاجيته وابتكاريته، حصون أمن ماجدة، تتحدث عن نفسها، ومنشآت شرطية شامخة، تجسد روح المواطنة وحس الوطن بما تقدمه من خدمات شرطية سمتها الجودة والجاهزية والدقة والسرعة، تسهيلا على المواطنين، وتيسيرا لهم، راسخة في عطائها، مددا يحتوينا، وصدقا يلهمنا، تجسده بصمات العين الساهرة، حماة الحق، حراس المبادئ لتقرأ الوطن في صفحاته البيضاء أمنا وأمانا، وسلاما ووئاما، وتعكسه ذائقة الشرطي وانضباطه، وثباته والتزامه، وبره وقسمه، ويقرأ الإنجاز في وجهه المشرق ومحياه الباسم، وشغفه ببذل الجهد، واستنهاض الحافز، واستنطاق القِيَم والأخلاقيات، ويسمعه في صوته المغرد الصادح بألسنة وحناجر من يحملون العطاء، حماة الحق وحراس المبادئ في ميادين الشرطة، وميدان الاستعراض الكبير بأكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة مرددين نشيد حماة الحق، مؤدين قسم الولاء والطاعة للقائد الأعلى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه.
تحية إجلال وعرفان للعين الساهرة، حماة الوطن، حراس المبادئ، في يوم الشرطة السنوي، في عزيمة الرجال ونبلهم مبادئهم، وصبرهم وسمو عطائهم وتميزهم وكفاءة أدائهم، تلك الأيادي العصماء، والعين الساهرة الأمينة على عُمان وشعبها وكل القاطنين على أرضها، وهي تسطِّر أروع معاني التضحية والفداء، وأعظم قِيَم الانتماء والوفاء لعُمان، والولاء والطاعة للقائد الأعلى ـ حفظه الله.