[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
حين تكون الأهمية لتطبيق (الحاجة أم الاختراع) فإن الكثير من الصعوبات والمعوقات تتضاءل، خاصة إذا ارتبط الجهد الإنساني العام سواء كان على صعيد الأفراد أو المؤسسات في هذا التطبيق بالمزيد من الإصرار والمثابرة والصبر والقناعة بأن لا بديل عن العمل المتواصل لتلبية هذه الحاجة أو تلك.
لست هنا بصدد أن أضع قائمة بالاختراعات التي حصلت نتيجة الحاجة الملحة في هذا الميدان أو ذاك، مع ملاحظة أن بعض الاختراعات جاءت بطريق الصدفة، وأنا هنا لا أقصد فحسب الاختراعات التقنية التي شهدت طفرات غير مسبوقة إلى حد تصنيع روبورتات (بأحاسيس) معينة والتأسيس لما يعرف بالذكاء الصناعي، بل أقصد تلك الحاجات الاعتيادية الحياتية اليومية التي تملي شروطها علينا من أجل تلبيتها، بمعنى ودلالة الاستجابة من منطلق ابتكار انشطة وإجراءات على درجة من التنوع، ولكن جميعها يقع ضمن قائمة الهداية، وهي ذات الهداية التي وفرت فرصة حياة أطول لأنواع من طيور لقالق إفريقية أجبرتها الظروف القاسية المتمثلة بشحة الغذاء نتيجة الجفاف إلى أن ترفع بمناقيرها عظام حيوانات نافقة وترتفع بها إلى الفضاء لترميها من الأعلى على مجمعات صخرية فتتهشم ثم تهبط إليها وتبدأ بالتهام رقائقها.
لا أكتمكم أننا عربيًّا بحاجة إلى مواطنين يضاهون في هدايتهم هداية تلك اللقالق التي انتصرت لديها إرادة الحياة على الانزواء والتمترس بانتظار المجهول وسأكون أكثر تفصيلًا في هذا الشأن.
لقد تابعت خلال الأيام القليلة الماضية تقارير دولية أعدها خبراء في الشؤون الاقتصادية ضمن احتمالات ما قد يحصل من تباطؤ في التنمية، بل وكساد وما يتبع ذلك من صعوبات ترتبط بهبوط معدلات النمو إلى دون النسب المقبولة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء واحتمال حصول إصابات أوسع في أمراض سوء التغذية إن لم يكن الوضع أسوأ من خلال الوقوع في دائرة المجاعة، بل إن تقارير وردت على لسان صندوق النقد الدولي قللت من فرصة التفاؤل في حصول انتعاشات لدى بعض الدول ذات الاقتصادات القوية التي انكمشت اقتصاداتها في السنتين الماضيتين فكيف الحال بالنسبة لاقتصادات أغلب الدول العربية المعروفة باعتمادها على مستوردات من الأسواق العالمية لتلبية استهلاكها الغذائي.
أنا هنا لا أرسم صورة قاتمة لخواء المعدة العربية، ولكن كشف الدلالة الميدانية ينبئ عن ذلك إذا أخذنا بمعلومات تفيد أن الأسباب الأمنية التي دفعت الكثير من سكان القرى والأرياف في أكبر البلدان العربية سكانًا ما زالت قائمة وتتفاقم، وأن عشوائيات ديمغرافية في ضواحي المدن برسم الحصول إذ ما زالت تلك الأسباب تلعب دور (المحرض) على الهجرة بعد إغلاق المزارع والحقول، كما هو الحال في سوريا ومصر والعراق وبمعدل أقل في جزائر وتونس وليبيا، بل إن العراق شهد عام 2014 هجرة أكثر من نصف مليون فلاح ومزارع باتجاه المدن التي وجدوا فيها ملاذات آمنة لهم، وخاصة النازحين من سهل نينوى تلك المنطقة التي تعتبر سلة الغذاء العراقي وهي تعتمد بالدرجة الأولى على الأمطار الشتوية الديمية، كما أن هناك سببًا آخر لاحتمال نمو عشوائيات من هذا النوع في المغرب الذي ضربته فيضانات جامحة قبل عدة أسابيع وفي اليمن والسودان ولبنان أيضًا.
وعودة على بدء، نحن في الوطن ليس بانتظار أن يكون تطبيق (الحاجة أم الاختراع) على صعيد عدد من الأفراد، بل نحتاج إلى ما يمكن أن نصطلح عليه ثورة حقيقية في الإرادة الاقتصادية التي تحرر مؤسساتنا المعنية بالتنمية من رتابة الأنشطة التقليدية ضمن السياقات المعتمدة الآن، وفي كل هذا لا يجوز لنا أن نختبر إرادة الانتظار؛ لأن أغلب البلدان العربية انتظرت بما فيه الكافية لتحسين صورتها التنموية وبقيت الحالة على ما هي عليه في التلظي وراء همومه احتمالات ضئيلة في بتحسين توجهاتها الاقتصادية.
إن تعليق الآمال على هذا النوع من الاحتمالات لا يوفر رغيفًا واحدًا إضافيًّا للأرغفة التي نتناولها الآن إذا بقينا بالدائرة التقليدية القائمة من النشاط الاقتصادي الزراعي العام.