بدر بن زاهر الكيومي:
المجتمع يبحث عن الشفافية والوضوح في الخبر، وسائل التواصل الاجتماعي أسقطت المقولة الدارجة: "خبر اليوم بفلوس، باكر ببلاش"، إن لم تكن سريعًا في الرد فستكون سمعة المؤسسة تحت طائلة القيل والقال. في السنوات الأخيرة ارتفعت نبرة النداء من قبل أغلبية أفراد المجتمع لتعيين مُتحدث رسمي يكون لهم المُؤتمن والصديق الحميم الذي متى ما تحدث يثق الجميع في شفافيته ومصداقيته، ويستطيع كذلك أن يتعامل مع سيكولوجيا الجمهور من خلال الرد على موجة بل أمواج من الأسئلة والاستفسارات والأفكار السائدة من قبل وسائل الإعلام وأفراد المجتمع وكذلك توضيح المواضيع المُثارة في مختلف المنصات واطلاع الجميع على مختلف الممارسات الحكومية.
ولكن الآراء اختلفت وتعددت: منهم من يطلب متحدثا واحدا ثابتا يرد على جميع المواضيع، وآخرون يقترحون التعددية والتنوع في المتحدثين. ولكن المحصلة التي ينتظرها المواطن بأن تكون المعلومة الصادرة تتسم بالمصداقية والوضوح والابتعاد عن الردود المُدافعة، وأن يشبعها حديثًا مُفصلًا بحيثُ لا يترك مجالًا للشك والتأويل؛ لأن كبت المعلومة وعدم توضيح أسباب ومُسببات القرار يتسبب بإحباط عام نحوه ويصبح بعدها ورمًا يصعب إزالته، ولكن الحديث يجب أن يكون بعيدًا عن الردود المُعلبة والإنشائية، بحيثُ لا يعقبها تساؤل من قبل الجميع، نتمنى أن نرى المواطن بعدها يقول بعدها للمتحدث عبارة "كفيت ووفيت".
الفترة الأخيرة شهدت اهتمامًا كبيرًا من قبل الحكومة، ونستطيع أن نصفها بأنها أصبحت بيئة متجاوبة بالرغم من أن هذه البيئة في أحيانِ كثيرة يشوبها الخجل والتقصير، ويتجلى ذلك التطور من خلال الأخبار والبيانات التوضيحية التي تصدر واطلاع الجميع بالإنجازات والتحديات المُصاحبة، ويظهر لنا بأن مركزية المتحدث لم تنجح، حيثُ إن المؤسسة المعنية هي من يصدر بيانها، حتى ولو كان الموضوع يُدار من قبل لجنة مركزية. فعلى سبيل المثال، اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا "كوفيد19"، فقد اهتمت بأن تصل المعلومة إلى المتلقي من خلال ممثل المؤسسة المختصة، فمثلًا إذا الموضوع متعلق بالبنوك نجد ممثل البنك المركزي في المقدمة، والأمر ذاته ينطبق على التجارة والبلديات والشرطة، كما أن إعصار شاهين يعد أحد النماذج المُهمة في التواصل مع الجميع، حيثُ كُنا نستمع لمختصين من مختلف القطاعات الأساسية وبتنظيم من اللجنة المُكلفة مما ساعد في توصيل الرسائل المُبتغاة على أكمل وجه، سواءً المعلومات الفنية التي تشمل الأعطال في البنية التحتية أو الأرصاد الجوية وغيرها من القطاعات. كما أنهُ خلال المؤتمر الصحفي للميزانية العامة للدولة فقد رأينا مسؤولين من مؤسسات مختلفة الاختصاصات وذات علاقة بالموضوع، تحدث هؤلاء المسؤولون وردوا على الاستفسارات. خلاصة القول إن المُتحدث يجب أن يكون مُلمًّا بكل التفاصيل الصغيرة منها قبل الكبيرة، وأن يكُون مُدربًا التدريب اللازم للتعامل مع الجمهور والرد على الأسئلة، وأن يملك قوة التأثير والإقناع لإيصال الرسائل المطلوبة. وفي الجانب الآخر هو من يتفاوض مع صناع القرار حول بعض القرارات، وأن يبدئ وجهة نظره، خصوصًا إن كانت هذه القرارات ستؤثر على جسر العلاقة بين المؤسسة ووسائل الإعلام أو الجمهور.
ولله الحمد، فقد رأينا خلال الأحداث والمناسبات التي ذكرت أعلاه وصول المعلومة الدقيقة والتفصيلية وبعيدًا عن التعابير الإنشائية. وينطبق على ذلك المثل الشعبي الدارج "اعط الخباز خبزه لو أكل نصه". إذًا هذا يقودنا إلى أن تعدد وتنوع المتحدثين أنسب عن المتحدث الثابت، وخلال سنوات مضت، قام مركز التواصل الحكومي بدور كبير نحو مركزية المعلومة وساعد على نشر ثقافة توضيح المعلومة بين المؤسسات الحكومية، ولكن خلال الفترة الأخيرة، من الملاحظ بأن دور المركز أصبح يتقلص يومًا بعد يوم.
ومن نافلة القول إن دوائر الإعلام المؤسسي في المؤسسات تلعب ـ بمعية الإدارات العُليا لتلك المؤسسات ـ دورًا محوريًّا في التواصل مع الجمهور ومع وسائل الإعلام المختلفة أو اللقاءات الإعلامية وكذلك الاجتماعات الجانبية للاستماع إلى رؤى ومتطلبات الجمهور، والرد على الأقاويل والآراء والكلام الذي يتداول حول خدمات المؤسسة ويمس سمعتها ومكانتها، وهذا يعد وضعًا صحيًّا ومثمرًا. كما أن كل مؤسسة من خلال دائرة الإعلام سوف تقوم بإيصال المطالبات إلى الأقسام المختصة أو ترشيح الشخص المختص للرد على الأسئلة المتداولة. مع الأخذ في الاعتبار أن كل مؤسسة تعد جزءًا من البيئة الاجتماعية المحيطة بها، وأنها تستمد قوتها من إعلامها، لذا على ممارسي الإعلام المؤسسي بأن يكونوا أكثر مصداقية في التعاطي مع وسائل الإعلام، واحترام رأي الجمهور ومطالباتهم والإيمان بقوة الرأي العام، لذا عليهم أن لا يحجبوا المعلومات.
وينبغي كذلك على الجهات المختصة تسهيل الحصول على المعلومة من خلال التقليل من مركزية المعلومات والعمل على نشر ثقافة أن المعلومة ليست متوفرة فقط على أدراج المسؤول الأعلى، بل متوفرة مع الأقسام المختصة. فعلى سبيل المثال، لماذا لا يتم تفعيل مكاتب المحافظين والولاة ـ أقصد المكتب وليس من على رأس المكتب ـ لتكون تلك المكاتب محل ثقة المواطن بما يتعلق بالتنمية والمشاريع في ولايته؟ المفترض أنا كمواطن حين أدخل مكتب المحافظ أو الوالي أكون على يقين تام بأنني سأحصل على المعلومة الشافية والصحيحة حول الطلب المتعلق بالولاية، ولكن الظاهر بأنهُ لا توجد ثقة بحيثُ تجد عدة مواطنين لابسين خناجرهم وقاطعين مئات الكيلومترات ويذهبون لمقابلة الوزير أو الوكيل؛ لأن الفكرة الراسخة عدم ثقة في المكاتب، وأن المركزية هي من تملك القرار، وبمجرد وصولك للمسؤول الأعلى في الوزارة المعنية فستجد المعلومة الدقيقة والاستثناء المطلوب وذلك بسبب أننا تعايشنا في بيئة أن المسؤول الأعلى هو من يملك البيانات والكلمة.