أ.د. محمد الدعمي:
تُعد معضلة الأقليات الأكثر تسببًا بأرق حكومات العالم التي لديها أقليات سكانية، دينية أو إثنية: حتى الديمقراطيات الكبرى في العالم تعاني من تشعبات تعقيدات الأقليات، بدليل ما تعانيه الولايات المتحدة الأميركية بسبب الأقلية السكانية السوداء هناك، ناهيك عما تعانيه بريطانيا في ايرلندا الشمالية.
الأقليات، عامةً، شكلان: (1) الأقليات الكبيرة؛ و(2) الأقليات الصغيرة والمجهرية. في الحال الأولى، غالبًا ما تكون حلول إشكاليات الأقلية الكبيرة معقدة، كما حدث ويحدث في العراق بسبب الأقلية الكردية الكبيرة (حوالي 17% من نسبة السكان)، وهي أقلية كافية إلى درجة اعتراض القيادات الكردية على عبارة "العراق جزء من الأمة العربية" الواردة في دساتير العراق مذ تأسيسه. وتنطبق ذات الحال، على الأقلية المسلمة في جمهورية الهند، إذ يناهز عددها 195 مليون نسمة. لذا لا يمكن لحكومات في دول الموزائيك السكاني من هذا النوع تجاهل حقوق الأقليات أو دمجها أو تجاوزها سوية مع الحقوق العامة للأغلبية السكانية (العربية في العراق، والهندوسية في الهند).
كما أن هناك أقليات "مجهرية" بمعنى الكلمة في دول كالعراق والهند كذلك. وكما بحثت ذلك في كتابي الموسوم (The Other Spiritualties of the Middle East)، إذ إن هناك أقليات دينية أو عرقية هي بدرجة من الصغر أنها لا تطلب سوى تركها وحدها لممارسة عاداتها أو تقاليدها أو طقوسها الدينية دون تدخل أو اعتداء من أية جهة، كما هي عليه الحال لدى أتباع ديانات "أهل الحق" و"اليزيديين" و"المندائيين" المنتشرين، جماعات صغيرة، في العراق وإيران وتركيا، ناهيك عن أقليات عرقية صغيرة جدًّا في العراق كالتركمان والآشوريين والأرمن.
وقد أفرزت تواريخ الأقليات أنماطًا سلوكية متنوعة عبر التاريخ الحديث والمعاصر: فمنها ما سلك سلوكًا يقود إلى الذوبان في إناء الأغلبية السكانية، ومنها ما "تكلس" وانكمش على نفسه، حفاظًا على تراثه الخاص واعتزازًا بشخصيته المميزة، درجة لوذها به، درجة بحمل السلاح لمقارعة حكومات الأغلبية، وللمطالبة بحقوقها رغمًا على قوة الأغلبية وجبروتها.