إبراهيم بدوي:
تمتاز النهضة العمانية، منذ انطلاقها على يد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيَّب الله ثراه ـ، بالعديد من السمات التي ستجعلها مرحلة فارقة في التاريخ العُماني الممتد والموغل في القدم، وأهم هذه السمات أنها نابعة من الشخصية العمانية. فالقواعد التي بنيت عليها تلك النهضة وصارت عليها طوال العقود الخمسة الماضية، هي قواعد ستجدها بقليل من التبصر في أبناء عُمان، فاحترام الذات والتمسك بالاستقلالية، والصوت الهادئ البعيد عن التشنج، واحترام قرار وحرية الآخرين، وعدم التدخل في شؤونهم، واحترام التعددية والاختلاف، وغيرها من الصفات التي تمتاز بها الشخصية العمانية انعكست على نهضتها، وكانت أُسسا وقواعد تم البناء عليها، وخرجت السياسات الاقتصادية والاجتماعية تجلت في السياسة الخارجية للدولة.
فعُمان الحبيبة وأبناؤها يعتزون بماضيهم التليد، ويمزجون موروثاتهم مع تطلعات المستقبل والسعي الدؤوب للبناء. ولعل هذه الفلسفة هي التي تجلت في عملية الانتقال السلس للسلطة الذي شاهده العالم، والتي ظهرت أيضا في تمسك جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالخطوط الرئيسية لعوامل بناء النهضة داخليا وخارجيا، وعمل على تطوير تلك السمات الرئيسية مع متغيرات العصر، وتحديات الحاضر، منطلقا بهدف ثابت هو رفاهية وسعادة المواطن العُماني، وهو ما تجلَّى في تجديد رونق هذه النهضة المباركة، وزاد من عوامل تطورها رغم المنغصات التي أثرت على المسيرة، لكن العبقرية السامية كانت كفيلة بمعالجة تداعيات أزمتي النفط و"كوفيد 19"، والعمل على بناء منظومة اقتصادية تنطلق من رؤية "عُمان 2040" التي أعدها جلالته بشكل كامل وأشرف عليها منذ المراحل الأولى من الإعداد، فكانت المنطلق الملهم لتجدد النهضة وتماسك أواصرها.
إن هذا الخليط والمزج بين التمسك بالثوابت والبناء عليها، وبين تشخيص التحديات الآنية، والتدخل بمشرط جراح خبير لمعالجتها، خصوصا عجز الموازنة الذي عولج بعناية فائقة بخطة مدروسة لثلاث سنوات، أسهمت في أول عامين من انطلاقها في تقليص الفاقد والموازنة بين ترشيد الإنفاق والالتزامات الاجتماعية للحكومة، وغيرها من الخطوات التي أفرزت تعديل معظم المؤسسات العالمية لنظرتهم نحو الاقتصاد العماني بشكل إيجابي، والإشادة الدولية الدائمة بمنجزات نهضة عُمان المتجددة، التي تعبر التحدي تلو الآخر بثبات ورسوخ بفضل التوجيهات السامية، والصبر والجلد اللذين يمثلان جزءا من الشخصية العُمانية.
إن هذه النجاحات والإنجازات في عامين فقط، تعود في الأساس إلى أن القيادة الجديدة كانت جزءا جوهريا في مراحل بناء النهضة طوال تاريخها، ويعي بقدرة فائقة الفرق بين التجديد الذي يسهم في رسوخ المنظومة ومتطلباته، وبين الهدم بزعم إعادة البناء كما يفعل البعض. فجلالة السلطان المعظم ـ أيَّده الله ـ أعطى درسا لكل ساعٍ إلى تنمية وطنه دون النظر عن تمجيد، فجلالته بعناية المحب لوطنه استطاع في فترة وجيزة بناء منظومة قادرة على إعادة الرونق لنهضة تملك مقومات الرسوخ في مواجهة الأنواء، أيا كان ثقلها أو عظم تحدياتها، فهنيئا لعُمان قائدها الذي جدد مقوِّمات النهضة، وسعى إلى بناء فصول جديدة سيذكرها التاريخ.