محمد بن زهران الرواحي:

لقد قرأت عبارة تقول:(إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة(، وأحببت أن أعلق عليها لما أراه حقا بإذن الله تعالى.
وأقول: إن هذا القول أراه خطيرًا.. لماذا؟ لأنه قد يتبادل إلى الذهن أن ينتحر الإنسان إذا اختفى العدل من الأرض؟ من هنا تكون هذه العبارة في غاية
الخطورة، فلربما جعل بعض ضعاف النفوس ينتحرون لما يصيبهم من ظلم أو غير ذلك، ولعل ما يحدث في مختلف بقاع العالم من الانتحار جراء مثل
هذه الأقوال الخطيرة، فبمجرد ما يصيب أولئك من ظلم أو ما شابه سيلجأون إلى الانتحار والعياذ بالله تعالى.. فهل هذا الفعل يجوز؟ طبعًا لا يجوز.
وقد بين الله سبحانه وتعالى للإنسان كيف يمضي في هذه الحياة الدنيا، فقد شرع له من الأحكام ما تجعله يمضي مطمئن البال، ففي وقت الرخاء بيّن
الله سبحانه وتعالى للإنسان كيف يعمل، وكذلك في وقت الشدة.
لذا فإنه إذا اختفى العدل من الأرض على الإنسان أن يسعى لوجوده، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي استخلف الإنسان في الأرض، فعليه أن يكون
جديرًا بما استخلفه الله تعالى عليه، فيسعى لتحقيق ما وصّاه الله تعالى عليه في هذه الحياة الدنيا.. ومن ذلك إحقاق العدل.
فالإسلام العظيم يُعلمنا أن نحقق العدل في المجتمعات، وأن ننصر المظلوم، فقد جاء في الحديث الشريف قوله (عليه الصلاة والسلام):(انصر أخاك
ظالمًا أو مظلومًا، قالوا: يا رسول الله ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: ترده عن ظلمه( ـ أو كما جاء في الحديث عنه (صلى الله عليه وسلم) ـ
فنأخذ من هذا الحديث الشريف أن نصرة المظلوم واجبة كما إن ردع الظالم واجب.
إن هذا الحديث الشريف يعتبر دستورًا من دساتير العدل، كما يعتبر قانونًا من قوانين العدالة، لأن فيه الراحة للمجتمعات، والسكينة للفرد، والقوة للأمم،
فهلّا أخذت الأمة من هذا التوجيه النبوي الشريف إن فيه صلاح المجتمعات من الفساد، ومن كل ما يكدر الإنسان بل ما يكدر الأمة.
إن الإسلام الحنيف بتعاليمه السمحة يحقق العدالة في المجتمعات، فكل فرد من أفراد المجتمع المسلم هو حصن حصين من حصون الإسلام، لأن
تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما الحصن الحصين لأي مجتمع ولأي بلد من الوقوع في غضب الله سبحانه وتعالى وعقابه، ولنا في
القرآن الكريم شواهد كثيرة في ذلك، من ذلك قوله سبحانه وتعالى:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا
وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ((المائدة 78 ـ 79)، فتوضح الآية الكريمة سبب اللعن الذي لحق ببني
إسرائيل ذلك أنهم تركوا النهي عن المنكر، كما قال الله عز وجل: )وإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً
إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَـِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) (الأعراف ١٦٤ ـ ١٦٥)، فيبين الله سبحانه وتعالى هنا نجاة الذين كانوا ينهون عن السوء، ومن هنا يتيقن لنا أن رد كل ظلم، ونهي كل منكر واجبان على هذه الأمة..
أمة الإسلام، وبذلك تسلم من الهلكة، وتنجو من العذاب.
ويتبين لنا مما تقدم أن مقولة:(إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة(.. مقولة تحتاج إلى بيان، وحسبما بينت بفضل من الله عز وجل
ومنه وكرمه إنها لا تستند إلى ثوابت الإسلام العظيمة، التي تدعو الإنسان إلى إحقاق العدل والحق في الأرض.

✽ باحث شؤون إسلامية