[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
اليوم تتسع رقعة الإرهاب دون أن يعني أن فرنسا محطتها الأخيرة .. صحيح أن فرنسا تحارب الإرهاب وليس دينا كما قال رئيس وزرائها، إلا أن العمق الشعبي يعرف البعد الحقيقي لإرهاب ساهمت بلاده بإنشائه وتم تصديره إلى الخارج، لكنه حتما يعود إلى المصدر، وغدا إلى كل المصادر التي ساهمت كذلك بإنشائه.
سيكتوي هذا العالم بما فعلت يداه وبما ساهمت به، بل لعل فرنسا التي كان لها اليد الطولى في تخريب بنية ليبيا، ثم حطت هذا النوع الغرائزي الإرهابي في سوريا، سيظل الدم السري يلاحقها، والجرح الليبي يقتص منها، وهي كغيرها من البلدان التي لعبت بهذا الدم وبهذا الجرح، لن تفلت من يد العدالة الإلهية أولا، ومن يد الذين ظنت أنهم مجرد عملية تصدير وينتهي الأمر، ومن ثم للتاريخ الذي لم ينس حتى الآن، عذابات الدولة العثمانية بعد مضي مائة سنة، ووحشية فرنسا وبريطانيا في استعمارهما لبلاد العرب، والسطوة الصعبة للامبريالية الأميركية.
العالم بلا مقدسات، بل هو فقد عقله كما يقول الكاتب السعودي عبدالله القصيمي، بل كأنه تبلد ففقد إحساسه بعذاب الآخر .. ربما من خلال قراءتنا للتاريخ نشعر أن الدنيا لم تتغير كثيرا، فالقتلة ما زالوا موجودين، وفكرة الاستيلاء على الآخر قائمة، ونهبه كانت وستبقى، وقتل شعب لم تزل مسيطرة .. إنها وقائع تاريخ لم يتبدل ولم يتغير وظل كامنا في نفوس تتوارثه ولو بأشكال تجديده.
يقيننا بعد الذي حصل في فرنسا وبهذه الدقة والمعرفة والبساطة، فإن فرنسا التي تدفع جزءا لا يتجزأ من الثمن المفروض أن تدفعه، ما هي سوى مقدمات لهجمة الإرهاب الذي يعمل على توسيع أفق نشاطه ليشمل الكرة الأرضية كلها بدون استثناء. ولكم حذر الرئيس السوري بشار الأسد من هذا التوسع ومن شموله الأرض ومن عليها، ولكم كتب كثيرون عن فكرة الإرهاب الشامل وتلك الخلايا النائمة في كل المجتمعات تقريبا، بل كم كان التحذير دائما من الذين يقرأون الوقائع بلغتها الواقعية المترابطة.
اليوم فرنسا وغدا بلد آخر، العالم المتقدم يخبئ رأسه أمام معركة اخترعها ورماها بوجه العرب والإسلام، فإذا بها ترتد عليه .. لا يمكن قذف النار دون أن تحرق أصابعك، أو اللعب بها دون أن تأكل منك. عالم الجريمة واسع، والإرهاب جريمة لا يطرب لها أحد، لأنها إصابة قاتلة في مجتمعات تظن أنها بعيدة عنها.
قد تخبو مظاهر العمليات الإرهابية في أوروبا، لكنها موجودة وبكثرة، متوفرة وغب الطلب .. وهي دائما بانتظار لحظة كي تنقض على مرحلة وليس على فريسة، تسجل دمويتها في لحظات ثم تنكفئ لتخطط لأخرى .. إذا كانت فرنسا لم تتحمل عملية واحدة، فكيف نسمي الوضع السوري الذي به عشرات العمليات الإرهابية اليومية، وبه شهداء من الشعب والجيش وبه خراب عم الأراضي السورية، وبه خيرات بلد ليس لها مثيل تحولت إلى صفر خير. وماذا عن ليبيا وعن اليمن وعن مصر ولبنان وعن العراق .. لن ينسى العرب ولن يغفروا لكل من لعب بدم أبنائهم وأودى بهم إلى مرحلة التمزق والصعاب.