التقرير الجديد الذي نشرته منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" أمس الأول تحت عنوان "فرقْ تسُدْ" حول الفروقات الصحية والحياتية بين الفلسطينيين وقطعان المستوطنين، يبين إلى أي حد وصل الانتهاك الإسرائيلي للإنسان الفلسطيني والمساس بصحته ومعيشته، حيث رصد التقرير ـ بعد التحليل الدقيق ـ الفجوات في المقاييس الطبية بين تلك القطعان والفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وكذلك عمل أجهزة السيطرة الإسرائيلية التي تمنع وزارة الصحة الفلسطينية، إلى جانب إخفاقات السلطة ذاتها، من توفير الخدمات الطبية الكاملة لسكان الأراضي المحتلة، وهي بذلك تمس بصحتهم، مؤكدًا أن الفلسطينيين يعيشون أقل من "الإسرائيليين" بعشر سنوات، بينما نسبة الوفاة بين الأطفال الرضع الفلسطينيين أكثر بخمس مرات من الرضع في "إسرائيل"، في حين تموت النساء الفلسطينيات خلال الولادة، أكثر بأربع مرات من "الإسرائيليات"، مبرزًا بصورة واضحة عن مدى التمييز العنصري من خلال كشفه أن عددًا من التطعيمات غير متوفرة للفلسطينيين، بينما هي متوفرة لقطعان المستوطنين، مثل التطعيم ضد التهاب الكبد الوبائي والجدري، والتهاب الرئتين، وباء والروتا، ووباء الورم الحليمي، في حين أن الأمراض التلوثية والأوبئة تنتشر في الأراضي المحتلة أكثر بكثير مما هي عليه في كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ما من شك أن هذا التقرير وما رصده من تمييز عنصري كريه ضد مواطنين واقعين تحت الاحتلال هو غيض من فيض، وجريمة تضاف إلى الرصيد الضخم من الجرائم التي ارتكبها مجرمو الحرب الصهاينة وقطعانهم المستوطنون بحق الشعب الفلسطيني صاحب الحق والأرض طوال أكثر من ستة عقود، فهذا لا يختلف في شيء عن الانتهاكات والممارسات غير الإنسانية ضد الأسرى الفلسطينيين الذين تعج بهم سجون الاحتلال الإسرائيلي وما يتعرضون له من حرمان من حق المحاكمة العادلة وما ينسب إليهم من تهم باطلة، أو يرمون في السجون دون تهمة واضحة، وحرمان أسرهم وذويهم من زيارتهم، وما يتعرضون له من انتهاكات جسدية كإجراء تجارب على أمصال وفيروسات أو سرقة أعضائهم. كما لا تختلف الجريمة التي رصدها التقرير "فرقْ تسُدْ" في شيء عن جريمة الحصار الظالم على قطاع غزة وشن عدوان إرهابي غاشم بين الحين والآخر لإبادة سكان القطاع إما بالاستهداف المباشر أو تركهم للموت البطيء الماثل في سوء التغذية والجوع والفقر وانتشار الأمراض والحرمان من الغذاء والدواء والماء النظيف والكهرباء.
لقد أصابت منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" كبد الحقيقة من خلال العنوان الذي اختارته لتقريرها "فرقْ تسُدْ"، فكيان الاحتلال الإسرائيلي منذ اغتصاب أرض فلسطين التاريخية وإقامته على أنقاضها هو كيان قائم على العنصرية والتطهير العرقي، حيث عمل منذ أول وهلة على تهجير وقتل عشرات الآلاف الفلسطينيين من وفي قراهم المنكوبة، ولا يزال يواصل سياسة العنصرية والتطهير العرقي، مدفوعًا في ذلك بالعامل الديموغرافي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يرى أن هذه السياسة من شأنها أن تساعده في تنفيذه مشاريعه التصفوية للقضية الفلسطينية، متوهمًا أنها ستعمل على القضاء على الإنسان الفلسطيني ما يتيح له الاستيلاء الكامل على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، ولذلك فهو يحاول القضاء على الحق الفلسطيني وصاحبه الشرعي عبر الاستيطان والاعتقال التعسفي والاغتيال والتهجير وتدمير المنازل، والحرمان من حق الصحة والحصول على العلاج والدواء ومن حق التعليم ومن حق ممارسة الشعائر الدينية باتباع سياسة الهدم والحرق للمساجد وفي مقدمتها المسجد الأقصى.
لتبقى الحقيقة ساطعة وهي أن من جاء ليغتصب الأرض من أصحابها الحقيقيين والشرعيين، لن يسمح لهم بالبقاء أو حتى بالقدرة التي تعطيهم الحق في المطالبة بما اغتصبه، هذه هي الحقيقة وهذا ما تؤكده كل الشواهد المتوالية.