ويؤكدون: جاءت ترجمة لأفكار حضارية وإنسانية تتوافق مع الثقافة العمانية

مسقط ـ العمانية:
أكد مختصون بالجانب المعماري في السلطنة على خصوصية وأهمية جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري التي أُعلن عنها رسميا أمس الأول، مؤكدين على الأسس والمنهجية العلمية التي تعمل على التوافق مع رسالتها الثقافية الفكرية وتنوع مساراتها وما يتعلق بتجسيد التواصل الحضاري والإنساني، فهي إلى جانب أنها أول جائزة نوعية تُعنى بالتصميم المعماري في السلطنة، فإنها تستهدف الشباب العُمانيين المتخصِّصين في مجالات العمارة والتصميم، وقد استهدفت الجائزة في دورتها الأولى موقع حي الميناء بولاية مطرح لإقامة معلم يجسد سنوات النهضة الخمسين والانطلاقة الواعدة بما يضمن تحقيق رؤية عمان 2040.

في هذا السياق يقول الدكتور صالح بن ناصر الساعدي، أستاذ مشارك بقسم الهندسة المدنية والمعمارية بكلية الهندسة بجامعة السلطان قابوس: تعد فكرة “جائزة بلعرب بن هيثم بن طارق للتصميم المعماري” رائدة في مجال هندسة البناء والعمارة والتخطيط في السلطنة، كما أنها الأولى من نوعها في المجال الهندسي أيضا، حيث تم الإعلان عن هذه الجائزة في وقت مثالي جدا حيث تزامن إشهارها مع أولى خطوات تنفيذ رؤية 2040 والتي تطرقت إلى عدة أوليات وطنية منها: “تنمية المحافظات والمدن المستدامة” و“التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية” و“المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية” و“البيئة والموارد الطبيعية”، ويمكن تحقيق بعض أهداف هذه الأوليات من خلال هذه الجائزة.

ويضيف الساعدي: على الصعيد المهني، فإنه مما لا شك فيه بأن هذه الجائزة مهمة للمعماريين حيث إنها تساعد في صقل المواهب الشابة من خلال إبراز المهارات المعمارية والهندسية وتقديم أفكار إبداعية عالمية مع أخذ الهوية الحضارية والتاريخية للسلطنة، ومن المعلوم أن المسابقات المعمارية تقوم بدور فاعل في تنمية القدرات والمهارات من خلال الاحتكاك بذوي الخبرة ما قد يكون له المردود الإيجابي على المهنة وتطويرها، وقد تعطي هذه الجائزة دعما معنويا للمعماريين الشباب من خلال تقديرها مواهبهم وتعريف المكاتب العالمية والمحلية بقدراتهم التصميمية والهندسية، كما أن من فوائد هذه المسابقة والظفر بها هو وجود نافذة مهمة لإشهار معماريين عُمانيين للسوق المحلية والعالمية، كما قد يُشكّل وجود هذا الحدث السنوي معرضا لمن عنده الموهبة، ومن ناحية تقنية وفنية، فإنه ومع تنوع الطبيعة الجغرافية والمناخية بالسلطنة والتحديات التي قد تواجه المصمم في حلحلتها؛ فإن هذه الجائزة أخذت على عاتقها حل هذه التحديات واختيار مناطق معينة لتتناسب مع هذه الظروف المتنوعة والتي بلا شك ستضيف مهارات جديده ونوعية للمعماريين الشباب من الناحية المهنية والفنية ما يؤهلهم أيضا للدخول في مسابقات معمارية عالمية أخرى، كما أن هذا النوع من المسابقات يفتح الباب لابتكار حلول لمشاكل قائمة كتلك المتعلقة بالتخطيط والتصميم الحضري.

تضمنت الجائزة أيضا الأخذ بعين الاعتبار التصميم الصديق للبيئة وهذا نهج عالمي في التصاميم المعمارية الحديثة، كما أنه مستوحى من العمارة المحلية للحارات والمدن العمانية القديمة من خلال التصميم والتخطيط واختيار مواد البناء المستدامة.

وفي الإطار ذاته قال المهندس المعماري بدر بن ناصر الهدابي: بداية وبالإنابة عن زملائي المعماريين العمانيين والعمانيات، أود أن نرفع آيات الشكر والعرفان للمقام السامي لحضرة الجلالة السلطان هيثم بن طارق لمباركته السامية لإطلاق جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري والشكر موصول لصاحب السُّمو السَّيد بلعرب بن هيثم لحرصه ودعمه الكبير للجانب المعماري ورفع الوعي المجتمعي بأهمية العمارة في حياة الناس، ودورها المهم في تطور وتنمية المجتمعات.

وأضاف الهدابي: “تأتي هذي المبادرة لتستهدف فئة الشباب لما لهم من دور كبير ومهم في تنمية المجتمعات فهم ركائز أي أمة وأساس تنميتها وبناة مجدها وحضارتها وسر نهضته، وتنطلق جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري لتواكب أهداف رؤية “عُمان 2040” كذلك الاستراتيجيات الخاصة بالسياحة والاقتصاد من خلال الاهتمام بالجانب المعماري ليكون بمنزلة منصة مستدامة تُسهم في دعم تلك الجهود وتمكين الكفاءات العُمانية في ذلك القطاع الحيوي وصقل مهاراتهم المهنية وفق أعلى المعايير المطلوبة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي إضافة إلى مواكبة التطور الحاصل في مجال العمارة والتصميم حول العالم و مواكبته وكذلك فإن الجائزة ستتيح المجال لاحقًا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من المشاريع التي سيتم تطويرها أو إنشاؤها.

وأشار الهدابي إلى أن ما يُميِّز جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري عن غيرها من المسابقات هو في البساطة وعدم تعقيد الشروط المطروحة بهدف إشراك أكبر عدد من فئة الشباب وإطلاق العنان لهم بحرية الإبداع والتمييز في الطرح، والجميل أن هذه المبادرة لا تعدو فقط بأنها مسابقه تنتهي بتكريم الفائزين في حفل خاص ولكن بقدر ما أنها ترجمة لفكرة الفائزين ليرى المشروع النور حيث حرص سموه على أن يتم تنفيذه ومتابعته سواءً كان ذلك عن طريق الاستثمار، أو عن طريق الجهات الحكومية ذات العلاقة، حيث عملت الجائزة على التنسيق مع هذه الجهات بهذا الشأن.

فيما تؤكد المهندسة المعمارية هدى الجهورية أن إطلاق جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري يأتي ترجمةً لأفكار حضارية وإنسانية تتوافق مع الثقافة العمانية التي طالما سجلت وعيًا إنسانيًّا على مر العصور، وتقول: هنا يتضح جليًّا ما قدمه جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيَّب الله ثراه ـ من فكر إنساني لمسناه من خلال ما قدمته العمارة في سلطنة عمان طيلة الـ50 عاما من عمر النهضة، كما تبلور ذلك بصور واضحة في فكر النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ وهو يترجم بعمق مفاهيم رؤية “عمان 2040”، بدءًا من استثمار الشباب، مرورا بأخذ كل معطيات الثقافية العمانية ومفاهيمها؛ إذن فالجائزة تستهدف قدرات الشباب وتطلعات المعماريين العمانيين، للإبداع وتطوير مناطق وطننا العزيز المختلفة.

وتضيف الجهورية في هذا السياق: نحن ـ المعماريين ـ سعدنا جدًّا بإطلاق صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد هذه الجائزة التي تعد استثنائية في تفاصيلها ورسالتها الهادفة إلى إيجاد نمط فريد في التعامل مع روح العمارة وحقيقتها في السلطنة، فهي سبيل واقعي للمنافسة وإيضاح التصميم وتفرد الابتكار لمشاريع معمارية مقبلة تلبي احتياجات المجتمع المحلي وتعزز السياحة الداخلية، وستصبح حتمًا ضمن المعالم المعمارية التي يقصدها السائح من الخارج، وبلا شك فإن هذه الجائزة تعد فرصة وحافزًا كبيرًا للمعماريين الشباب في إبراز قدراتهم وإبداعاتهم وترجمتها على أرض الواقع للارتقاء بالمعمار العماني وتطويره بلمسات شبابية مبتكرة ليكون ذا شمولية عالمية نفاخر بها.

وتضيف الجهورية في سياق حديثها: تأتي العريقة مطرح بكل تجلياتها وثقافاتها الإنسانية المتعددة لتكون أولى المحطات المستهدفة لهذه المسابقة، وهنا دلالة واضحة على مكانة هذا الكيان الجغرافي المتربع في وجدان كل عماني، لإيجاد معلم بارز يجسد رحلة عُمان من فترة النهضة إلى الرؤية المستقبلية، وأتمنى أن يشارك المعماريون العمانيون بأفكار ملهمه تحقق القيمة المكانية للموقع وتعزز معمار مطرح للارتقاء بها لتكون واجهة سياحية عالمية.

وختامًا يقول المهندس والباحث عليّ بن جعفر اللواتي وهو باحث في العمارة: انعقاد الدورة الأولى لجائزة بلعرب بن هيثم المعمارية في قلب مطرح القديمة له دلالة حضارية كبيرة؛ فمدينة مطرح مدينة ميناء ساحلية لا زال ميناؤها باقيا حتى اليوم وهي تجارية ذات إثنيات متعددة تعايشت جنبا إلى جنب وساهمت في تشكيل المدينة وهويتها ويقول المعماري العراقي محمد مكية الذي وضع أول مخطط عمراني لمسقط إبان السبعينيات: “مطرح هي الشقيقة لمدينة مسقط“، وسيكون هذا الحدث المعماري منصة لتبادل الأفكار والتصاميم والتداول حول واقع العمارة العربية المعاصرة وقضايا الهوية والتي بلا شك ستلعب دورا مهما في تطوير المشهد السياحي والجمالي للمدينة والذي سينعكس على القيمة الاقتصادية المضافة وهو ما سيخدم رؤية “عمان 2040” ويحقق تطلعاتها.

ويضيف اللواتي: هذه الجائزة المعمارية الفتية على الرغم من أنها تحمل اسم معماري شاب على عكس الجوائز بالمنطقة فهي تحمل رسالة لتسليط الضوء على عمل المعماريين الشباب والعمانيين على وجه الخصوص ومقدرتهم على الإنتاج المعماري، وقد شملت الجائزة الدارسين كذلك فهي فرصة كبيرة جدا لظهور المواهب والتوجه نحو بناء جيل واعٍ يبني ثقته حتى وإن كانت بالمشاركة في مثل هذه المشاريع ونحن كمعماريين ومهندسين نتطلع الى نتائج التنافس بالقريب العاجل والذي بلا شك سيسهم في رفع وتجويد المستوى المهني لعمارة مثل هذه المواقع الحيوية والتي كذلك تعكس اهتمام حكومة البلاد وعلى رأسها مولانا جلالة السلطان ـ أيَّده الله ـ في إشراك أبنائه العمانيين في عملية التنمية عن طريق المسابقات المعمارية وما مباركته السامية لهذه المسابقة إلا اهتمام كبير بهذا الجانب الذي لا يحظى بالتقدير الكافي فيما سبق.