هيثم العايدي:
تأتي الدعوة التي وجَّهها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في الخطاب السامي بمناسبة الـ11 من يناير ذكرى تولِّي جلالته مقاليد الحكم في البلاد للاعتزاز بالهوية والتمسك بالمبادئ والقِيم لتحدد الحصن الحصين الذي من خلاله يتجنب المجتمع أية أفكار دخيلة أو ممارسات تهدد استقراره مع الحفاظ في نفس الوقت على المسيرة المستمرة للتطوير والتحديث.
وخلال الخطاب السامي قال جلالته ـ أيَّده الله ـ "ونُهِيبُ بأبنائِنَا وبناتِنَا التمسُّكَ بالمبادئِ والقِيَمِ، التي كانت وستظلُّ ركائزَ تاريخِنَا المجيدِ، فَلْنَعْتزّ بِهُوِيَتِنَا وجَوْهَرِ شخصيتِنَا، ولِنَنْفَتِحْ على العالَمِ، في توازنٍ ووضوحٍ، ونَتَفَاعَلْ معه بإيجابيةٍ، لا تُفْقِدُنا أصالتَنَا ولا تُنسينا هُويتَنَا."
وتتسق هذه الدعوة السامية مع إحدى أهم أولويات الرؤية المستقبلية (أولوية المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية) والتي تهدف إلى إيجاد مجتمع معتز بهويته ومواطنته وثقافته يعمل على المحافظة على تراثه وتوثيقه ونشره عالميا.
وأهم ما يعمل عليه الاعتزاز بالهوية هو التمسك بمكوِّن أساسي وأصيل لدى الشخصية العمانية، وهو التسامح الذي تميزت به طيلة تاريخها، وهو ما تجلَّى في المعاملات على مستوى الأفراد، وتفاعل الثقافة العمانية مع مختلف الثقافات والحضارات الأخرى، وعدم قبول أية أفكار تشجع على التطرف أو الكراهية, قبل أن يترجم هذا التسامح إلى سياسة خارجية باتت مثالا يحتذى به في تدعيم العلاقات الدولية وحل النزاعات بالحوار وتقريب وجهات النظر.
كذلك فإن تحصين المجتمع عبر الاعتزاز بالهوية يُعد منطلقا لانتهاج نهج متوازن للتحديث، والأخذ بآخر ما توصل إليه العلم والتقنية المتقدمة والانخراط الواعي والمسؤول في حركة التقدم العالمي.
ومن هنا فإن الدعوة التي وجهها جلالة السلطان المعظم للانفتاح على العالم في توازن ووضوح والتفاعل بإيجابية دون الافتقاد إلى الأصالة أو نسيان الهوية, وإن كانت موجَّهة بالمقام الأول إلى جيل الشباب .. إلا أنها أيضا موجهة إلى كافة فئات المجتمع ومؤسساته، خصوصا تلك المؤسسات المعنية بنشر الوعي والمعرفة، وتنشئة الجيل الجديد على مرتكزات وموروثات الهوية والحضارة العمانية.
كما أنها تستدعي تكثيف الأنشطة والبرامج الوطنية التي تعزز من التماسك الاجتماعي والالتفاف حول الهوية الوطنية والحضارة العمانية بما يوجد التوازن المنشود بين الموروث الحضاري والثقافي والقيمي من ناحية، ومتطلبات ملاحقة التطور التقني والذي يمكن أيضا توظيف إمكانياته للمساهمة في حماية المجتمع وتعزيز الوعي بأهمية التمسك بالهوية من ناحية أخرى.