د. خصيب بن عبدالله القريني:
الاستفادة من تجارب الآخرين هي الطريق الأمثل لتقليل الأخطاء في المواقف التي نمر بها في حياتنا، ذلك أن قدرتنا على الاستفادة هي من يحدد مقدار ما سننجح في تجاوزه من سلبيات في نفس المواقف التي مرَّ بها الآخرون، ولربما يكون مجال السفر والترحال هو المجال الأكثر قدرة على إبراز هذه النقطة من غيره من المجالات؛ ربما لوجود مواقف متشابهة ومتقاربة أيضا في حيزها المكاني والزماني، بحكم أنك تحدد منطقة جغرافية واحدة وفترة زمنية واحدة فتستطيع أن تثبت قدرتك على الاستفادة من هذه التجارب بشكل واضح بعكس المجالات الأخرى من الحياة التي تأخذ وقتا أطول ومساحة مكانية شاسعة أيضا.
سأحاول في هذه الزاوية المعنونة (تجربة سفر) أن أستعرض بين فترة وأخرى إحدى التجارب أو المواقف أو النصائح التي يفترض أن نستفيد منها، وسأضع أرقاما لهذا العنوان تحت العنوان الرئيس للمقال (نبض المجتمع) بحكم أنني لن أواصل الكتابة تحت العنوان المرتبط بتجارب السفر بشكل أسبوعي وإنما بين فترة وأخرى، ولا تمثل هذه التجارب تجربتي الشخصية فقط، وإنما تجارب أخرى لأشخاص صادفتهم أو قرأت لهم، فالمهم هنا أن نستفيد من هذه المواقف والتجارب أكثر من أهمية معرفتنا لمن وقعت، فهذا هو الهدف من المقال في الأساس.
وستكون بداية مواقفنا والتي تحمل عنوان (التخطيط الجيد يصنع رحلة جيدة)، وربما هي مقولة واضحة وبديهية، ولكن كثيرا منا لا يعي هذه المقولات ولا يطبقها، والموقف هنا لأحد الزملاء الذي قرر السفر برفقة صديقه إلى إحدى دول أوروبا منذ حوالي عشر سنوات دون الاستعداد المعرفي أولا لهذه الرحلة، فقط لأنهما مرَّا بتجربة سابقة في السفر إلى إحدى الدول التي تتواجد فيها الجالية العمانية والعربية بكثرة، فكانت الأمور على حسب ما كانا يريدان من سهولة في الإجراءات والمعرفة باللغة وغيرها من التسهيلات الناتجة في الأساس من وجود جالية عربية واهتمام تلك الدولة بالسياحة، وتحويلها لصناعة قائمة بذاتها ومراعاتها لمختلف الجنسيات في سبيل جذب السياح، ولكن الأمر هنا مختلف، فلا يمكن تطبيق ما مررت به من تجربة في دولة بعينها على دولة أخرى في انسيابية وتوفر الخدمات مثلا حتى ولو كانت مجاورة لها؛ فالنظام يختلف من دولة لأخرى، والاهتمام بالسائح يختلف كذلك، فما بالك باختلاف بين قارتين؟ فالزميل وصديقه لم يكلفا أنفسهما عناء التعرف على الجوانب المعرفية للدولة أولا من حيث الأماكن السياحية التي سيزورانها، وكم المدة الزمنية لكل مدينة؟ بل الأدهى والأمَر أنهما لم يكونا على معرفة إلا بعاصمة تلك الدولة! لقد كانت تجربة سيئة انعكست آثارها على كرههم لها، رغم أن السبب لا يعود لتلك الدولة بل يعود لهما هما، حيث لم تكن لديهما خطة واضحة أو برنامج محدد، ولم تكن لهما معرفة بماذا يريدان؟ فَتَاهَا بين معتركاتها وتعرضا للكثير من المواقف المزعجة، وربما كان الأجدى هنا أن يلملما ما بقي من قدرة على التخطيط في الانضمام لمجموعة سياحية تدير لهم كل تفاصيل الرحلة حتى ولو كانت بسعر مرتفع، فلربما كان هو الحل الأفضل هنا.
لقد أسهمت الثورة التكنولوجية في تيسير أمر التخطيط للرحلات، فجميع مواقع التواصل الاجتماعي تغص بفيديوهات وصور وتقارير عن أي مدينة تريد زيارتها في العالم، بل هنالك من يحكي تجربته الشخصية ويحكي المواقف السلبية والإيجابية التي تعرض لها. فالتخطيط للسفر أصبح موضوعا سهلا لا يكلفك وقتا ولا جهدا، بل إن كثرة ما يعرض من معلومات تجبرك على تعلم مهارات أخرى ليس أقلها القدرة على الربط والتلخيص والتنظيم، ولكن في النهاية ستنجح بنسبة كبيرة في رحلتك، أما من يذهب على البركة وهنالك سيترتب كل شيء فقد وضع رحلته في طريق محفوف بالمخاطر، فالجانب المعرفي هو جزء يسير من التخطيط فلا تكفي المعرفة، بل تحتاج لحجز فنادق وسيارات ومواقع سياحية قبل ذهابك بحيث تكون كل الأمور مرتبة وجاهزة ولا مجال للعشوائية فيها، لا أن تذهب مثل زميلنا وصديقه إلى دولة لا تعرف سوى اسم عاصمتها.