أحمد صبري:
مرت قبل أيام ذكرى ميلاد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر (15/1/1918) وهي ليست ذكرى عابرة، وإنما بداية لولادة مشروع قومي نهضوي رفع ساريته عبد الناصر في ذروة المدِّ القومي الذي اجتاح أقطار العروبة التي صحت على صوت قائد يبشر بفجر جديد لاحت معالمه في أفق العروبة، وتحوَّلت مصر عبد الناصر إلى قاعدة للمشروع الوحدوي، وشهدت ميلاد أول وحدة بين مصر وسوريا ومحاولات وحدوية أخرى صبَّت في نفس الطريق المؤدي للوحدة الشاملة.
وعلى الرغم من تصدع أول محاولة وحدوية بين البلدين، إلا أن وقود هذا المشروع بقيَ واستقرَّ في صدور كل الوحدويين من المحيط إلى الخليج.
وحقق عبد الناصر خلال 18 عاما من قيادة مصر والأمة العربية إلى إنجازات تاريخية على طريق الوحدة وبناء قاعدتها، ومحاربة الاستعمار ونصرة شعب فلسطين وحقوقه المشروعة، إلا أن القوى التي وجدت في مشروع عبد الناصر تهديدا لوجودها ومصالحها، لا سيما إسرائيل والقوى الداعمة لها ناصبته العداء والتآمر على نهجه حتى وافته المنية شهيدا من أجل العروبة وقضاياها العادلة في الثامن والعشرين من فبراير ـ شباط 1970.
وعندما نتوقف عند تاريخ ولادة عبد الناصر فإننا نستذكر بألم شديد استقالته وتداعيات نكسة يونيو ـ حزيران ورفض الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج استقالته وتمسكها بقيادته التاريخية، وتحمله المسؤولية الكاملة عن نكسة يونيو ـ حزيران عام 1967. فبقدر ما كانت الانتكاسة مريرة ومخيبة للآمال فإن استقالة عبدالناصر كانت هي الأخرى مؤلمة وصادمة.
وبين النكسة والاستقالة عاشت الأمة وجماهيرها أقسى اللحظات من وطأة ما جرى خلال حرب الأيام الستة التي أدت إلى سيطرة إسرائيل على سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية.
فحاول الزعيم جمال عبدالناصر أن يضع الجماهير في صورة ما حدث، رافضا التخلي عن مسؤوليته إزاء ما جرى وتحمله كامل المسؤولية من غير أن يغلق الأبواب أمام تجاوز المحنة التي ألمَّت بمصر والأمة العربية.
فاستقالة عبدالناصر في التاسع من يونيو ـ حزيران 1967 كانت مناسبة للرد على نتائج العدوان الإسرائيلي وتداعياته من خلال رفض مصر ومعها الأمة كلها للاستقالة، والمطالبة بمواصلة المشوار. وبعد مرور ما يقارب من 55 عاما على استقالة عبدالناصر وتراجعه عنها استجابة لنداء الجماهير التي رأت في بقاء ناصر في قيادة مصر والأمة فإنها أصبحت ضرورة قومية التي اعتبرها مسؤولية إضافية حرص على توفير مستلزمات نجاحها، غير أن الموت أدركه في لحظة تاريخية كانت مصر والأمة بحاجة إليه وإلى دوره، حيث ختم مشواره بوأد أزمة خطيرة بين الأردن والمقاومة الفلسطينية لتجنيب الأمة مزيدا من الدماء. وما أنجزه عبدالناصر خلال السنوات التي أعقبت عدوان 67 أسهم في تحقيق النصر في حرب أكتوبر ـ تشرين التي أعادت إلى المقاتل العربي ثقته بسلاحه. وتراجع عبدالناصر عن استقالته خفف من وطأة الصدمة والمرارة التي عاشتها مصر والأمة العربية، لا سيما وأن عبدالناصر تعهد بإزالة آثار العدوان، والسعي لتأسيس جبهة عربية قوية قادرة على تحرير الأراضي العربية المحتلة.
وسيظل عبد الناصر رغم غيابه عن المشهد السياسي علامة مضيئة في سماء مصر وفضاء العروبة نذر حياته لخدمة قضاياه، وكان يحلم بانبلاج فجر جديد بوحدة الأمة وأقطارها. فمثلما جارت على مصر دورة الحياة فإنها استهدفت من بعده العراق باحتلاله، وقبله بحصار ظالم لإخراجه من معادلة الصراع، وموجبات الأمن القومي الذي كانت مصر والعراق ركيزة وقاعدة للمشروع القومي العربي.