د. يوسف المبسلي:
لقد أصبح التصنيف الائتماني للدول ذا أهمية كبيرة، حيث تُولي أغلب الحكومات والمستثمرين اهتماما بالغا على درجة التقييم للتصنيف الائتماني في توقع حدوث مخاطر عدم الدفع والوفاء بالالتزامات المالية لبعض الدول، وكذلك المؤسسات المالية بناء على معايير كمية ونوعية. ولعل من أبرز أهم الوكالات العالمية للتصنيف الائتمانية هي وكالة موديز، وكالة ستاندرد آند بورز، ووكالة فيتش، حيث تتمتع التقارير الصادرة من تلك الوكالات بتأثير قوي على مستوى العالم.
وفقا للتقرير الأخير الصادر لوكالة فيتش في ديسمبر 2021 حيث تم تعديل النظرة المستقبلية للسلطنة من سلبية إلى مستقرة عند " .“BB-وفي وقت سابق أصدرت وكالة ستاندرد آند بورز، في أكتوبر 2021 بتعديل تصنيف السلطنة من مستقرة إلى إيجابية مع التأكيد على التصنيف الائتماني عندB+/B . ويُعزى أهم الأسباب للنظرة الإيجابية للسلطنة إلى سياسات وإجراءات السلطنة في الاستجابة لمعالجة التحديات الاقتصادية والخطوات التي اتَّخذتها في إطار الخطة المالية متوسطة المدى والتي تهدف إلى تحسين الأداء المالي واستدامته، كما أن تحسُّن أسعار النفط وتراجع حدة جائحة "كوفيد-19" هي عوامل أخرى أسهمت في تحسن التصنيف الائتماني للسلطنة. يشار إلى أن السلطنة قلصت عجز الميزانية إلى 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021 من 15.5% في 2020. كما شهدت عام 2021 انخفاضا في نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 68% بعد ارتفاعه إلى نحو 83%% في 2020 نتيجةً للاقتراض المحلي والخارجي.
كما تتوقع وكالة ستاندرد آند بورز حدوث انتعاش اقتصادي قوي في السلطنة اعتبارًا من 2022 مدفوعًا بارتفاع الإنتاج النفطي ونمو قطاع الأنشطة غير النفطية كقطاع الخدمات اللوجستية والصناعة والسياحة والثروة السمكية والزراعية، وهي تمثِّل مستهدفات الخطة الخمسية العاشرة، حيث من المتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.1% خلال الفترة (2022-2023). كما لوحظ ارتفاع احتياطيات البنك المركزي العماني من العملة الأجنبية حيث قفز المؤشر من 14 مليار دولار في 2020 إلى 18 مليار دولار في 2021 بنسبة ارتفاع 31%. وتوقع صندوق النقد العربي في 2022 حدوث تحسن كبير في رصيد الموازنة العامة ورصيد المدفوعات الخارجية على المدى المتوسط مع تراجع العجز بسبب انتعاش إيرادات النفط والغاز، بالإضافة إلى فائض في الموازنة على المدى المتوسط بسبب تدابير الضبط المالي التي فرضتها الحكومة وارتفاع فائض الميزان التجاري.
وحسب تقديرات ميزانية السلطنة لعام 2022 فإنه يتوقع تسجيل عجز قدره مليار و550 مليون ريال عُماني باعتماد سعر 50 دولارا لبرميل النفط. إلا أن أغلب المنظمات الدولية تتوقع أن يكون سعر البرميل خلال عام 2022 فوق الـ50 دولارا، ما يعني أن العجز المتوقع قد يتحول في نهاية العام إلى فائض في الميزانية. بالإضافة إلى أن الميزانية العامة للدولة لعام 2022 ترتكز على الحفاظ على المستويات الآمنة والمستدامة للإنفاق العام، وأن حجم الإنفاق الاستثماري المتوقع في عام 2022 لقطاع السياحة سيبلغ 193 مليون ريال عُماني وقطاع التعدين 57 مليون ريال عُماني وقطاع اللوجستيات 116 مليون ريال عُماني والاتصالات وتقنية المعلومات 156 مليون ريال عُماني. ومن جانب آخر فإن السلطنة ستركز على الاستمرار في رفع مساهمات الإيرادات غير النفطية وإعطاء الأولوية لتنفيذ المشروعات المرتبطة بالقطاعات الإنتاجية. كما أنه ووفقا لخطة جهاز الاستثمار العماني، بتنفيذ وتطوير أكثر من 110 مشاريع استثمارية تم تنفيذ وتطوير بعضها خلال العام الماضي من 2021 وسيتم استكمال باقي المشاريع خلال هذا العام من 2022.
إن مبادرة رؤية "عُمان 2040" والخطة المالية متوسطة المدى أسهمت بشكل فعال لمزيد من التطورات الهيكلية لتعزيز اقتصاد السلطنة والذي انعكس جليا في النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني للسلطنة إلى نظرة مستقرة وإيجابية. كما أن المرحلة القادمة ستشهد نتائج تلك السياسة المالية التي انتهجتها السلطنة من أجل تحقيق هدف الاستدامة المالية في ضوء ما يشهده العالم من أزمات مالية عصفت باقتصادات أغلب دول العالم.