تُمثِّل استدامة الموارد أحد أهم الأسس الرئيسية التي بُنيت عليها رؤية "عُمان 2040"، لذا نجد السَّلطنة في خضمِّ تجديد نهضتها تتَّبع خططًا تنموية جعلت مشاريع الطاقة الخضراء إحدى ركائز خططها التنفيذية، حيث تسعى رؤية "عُمان 2040" إلى أنْ تُسهم مشروعات الطاقة المُتجدِّدة في إنتاج ما يقرب من 30% من إجمالي توليد الكهرباء في السَّلطنة عام 2030، ما يعني إنتاج 2560 ميجاواط. وهذه النِّسبة قابلة للزيادة مع تطوُّر التكنولوجيا وانخفاض تكلفتها، كما تتوجَّه السَّلطنة عبْر بناء قواعد بحثية لتنمية المهارات في هذا المجال تجاهَ تبنِّي الطاقة الخضراء، والتي تنطلق بالاقتصاد الوطني نَحْوَ تحوُّل وانعطاف يرصد المُستقبَل ويتَّبع أدواته. فالطاقة الخضراء شاء من شاء وأبى من أبى هي طاقة المُستقبَل القريب جدًّا؛ لذلك فإنَّ التخلُّف عن تقنيتها هو بمثابة انهيار لمنظومة الاقتصاد في هذه الدول أو تلك، وهو ما تَعِيه القيادة الحكيمة، وحرصت على ترسيخه خططيًّا عبْر رؤية "عُمان 2040"، وتأكيده في المشاريع التي يتمُّ افتتاحها تباعًا في هذا المجال من خلال الاتفاقيَّات التي تُوقِّعها الحكومة لتوطين تلك التقنيات في البلاد.
ومن هذا المنطلق، فقد وقَّعت وزارة الطاقة والمعادن وشركة بي. بي. أمس اتفاقيَّتي العمل الاستراتيجي وجمع بيانات الطاقة المُتجدِّدة لدعم مشروعات تنمية الطاقة المُتجدِّدة على مستوى عالمي وتطوير الهيدروجين الأخضر في السَّلطنة بحلول عام 2030، وهي خطوة كبيرة، بل قفزة نَحْوَ المُستقبَل، ستفتح آفاقه وتُمهِّد الطَّريق نَحْوَ تحقيق رؤية "عُمان 2040"؛ كونها ستعمل على تطوير موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المُتجدِّدة بمعايير عالمية لتوليد الطاقة النظيفة للشبكة، وتشغيل مصانع الهيدروجين الأخضر لتلبية الطَّلب المحلِّي والتصدير حَوْل العالم، وهي خطوة تتكامل مع إعلان شركة الطاقة العُمانية العالمية المتكاملة عن تطوير مشروع ضخم للوقود الأخضر في السَّلطنة بالتعاون مع عددٍ من الشركات الدولية، ومنها شركة إنتركونتيننتال للطاقة وشركة إنرتك، وهي مشاريع تضع البلاد على الطَّريق الصحيح، وتتَّجه بها نَحْوَ إنتاج ملايين الأطنان من الهيدروجين الأخضر الخالي من الكربون سنويًّا.
وتبذل السَّلطنة جهودًا كبيرة في هذا الصَّدد؛ إدراكًا منها بأهميَّة هذا القطاع من الطاقة المُتجدِّدة، وتأتي هاتان الاتفاقيَّتان كخطوة تالية تُرسِّخ مفهوم تجديد النهضة المباركة، فَهُمَا خطوة مكمِّلة لما بُني في تطوير إنتاج البلاد من الهيدروكربونات طوال العقود الخمسة الأخيرة، وهما بداية رحلة تطوير الطاقة التي نطمح إليها، وستُمكِّننا من إطلاق العنان لإمكانات عُمان كمركز للطاقة منخفضة الكربون، حيث يُعدُّ وقود الهيدروجين الأخضر من أحدث أنواع الوقود الجديدة التي يسعى العالم إلى الاعتماد عليها؛ كونه ناقلًا للطاقة يمكن استخدامه في العديد من التطبيقات المختلفة، كما يمكن استخدامه في الصناعة، وتخزينه في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي لتشغيل الأجهزة المنزلية، كما يمكنه نقل الطاقة المُتجدِّدة عند تحويله إلى ناقل مثل الأمونيا، وهو وقود خالٍ من الكربون لقطاع النَّقل، وهو بالتأكيد ثورة عِلمية تسعى إلى إيجاد بدائل لأنواع الوقود الحالية التي تؤثِّر على البيئة والمناخ حَوْل العالم.
وبموجب الاتفاقيتَيْنِ ستنظر حكومة السَّلطنة وشركة بي. بي. في سُبل التعاون في عددٍ من المجالات، بما في ذلك استراتيجية الطاقة المُتجدِّدة، واللوائح التنظيمية للقطاع، إلى جانب إنشاء مركز للطاقة المُتجدِّدة وتطوير القوى العاملة المحلِّية وتأهيلها للعمل في هذا القطاع الجديد، وكجزء من الاتفاقيتَيْنِ ستعمل شركة بي. بي. على تسجيل وتقييم بيانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مساحة 8 آلاف كيلومتر مربَّع، وستُساعد الدِّراسة السَّلطنة لاتِّخاذ قرار تجاهَ بناء مركز أو مركزَيْنِ للطاقة المُتجدِّدة في المواقع المناسبة كجزء من التنمية لهذه الموارد. فهاتان الاتفاقيَّتان ستُمهِّدان لتعاون بنَّاء مع شركة بي. بي، كشركة طاقة متكاملة، حيث سيُسهم هذا التعاون في إنتاج طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى الأعمال في مجال الغاز، لدعم أهداف الطاقة منخفضة الكربون في السَّلطنة بطريقة متكاملة ومتميِّزة.