محمد عبدالصادق:
كثيرا ما يُوجَّه لي السؤال عن سبب خلو السلطنة من آفة التطرف والإرهاب، بعض السائلين الذين لم يتسن لهم زيارة السلطنة والعيش وسط الشعب العماني، يظن أن السبب عدم وجود التنوع بكافة أشكاله، والبعض الآخر يخمن أن السبب يعود لقوة القبضة الأمنية، ولكن ردي على هؤلاء، أن السبب يعود ـ من وجهة نظري ـ إلى دولة القانون التي أرسى دعائمها خالد الذكر جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ ويحافظ على بنيانها مجدد النهضة العمانية جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ هذه الدولة تقوم على العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان، فالجميع أمام القانون سواء، والحقوق والواجبات والفرص متساوية ومتاحة أمام الجميع، وليس هناك أفضلية سوى الكفاءة والعلم والإنتاج، وأهم ما يميز هذه الدولة هو احترام قِيم المواطنة، والوسطية والتسامح وقبول الآخر.
ومن أجل ترسيخ هذه القِيم السامية، فطنت السلطنة منذ وقت مبكر أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، هي صمام الأمان والعلاج الناجع للتطرف والإرهاب، فأنشأت منظومة تعليمية متطورة تحتوي على مناهج تنشر الفكر المعتدل المستنير وتعرف الأجيال الحديثة بصحيح الدين، كما حرصت السلطنة أن تصل ثمار التنمية الناتجة من العوائد النفطية على مدار العقود الخمسة الماضية إلى كافة شرائح المجتمع، وأن تشمل التنمية جميع مناطق السلطنة دون انحياز أو تمييز، وساند هذه المسيرة إعلام وطني منحاز لقضايا وطنه، مساند ومشجع لكل ما يصب في مصلحة الوطن بتجرد وإخلاص، تجنب نشر كل ما يثير الفتن أو يؤدي للشقاق أو يعكر صفو السلم الأهلي ومتانة اللحمة الوطنية، وهي أهم عوامل نجاح النهضة العمانية.
وكان للمغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس رؤية ومنهج مستنير في مكافحة التطرف والإرهاب، ففي أحد حوارات جلالته الصحفية منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكان وقتها كثير من الدول العربية والإسلامية تكتوي بنار الإرهاب ويتهددها خطر الجماعات المتطرفة قال ـ طيَّب الله ثراه ـ "إن هذه الظاهرة إنما تغرر بصغار العقول ومن عنده فراغ ثقافي أو ديني ومن ليس عنده وضوح الرؤيا في مثل هذه الأمور، وعلى الأجهزة المعنية في كل الدول أن تقوم بواجبها لتوضيح الأمور والتوجيه السليم لمثل هؤلاء الناس الذين لا يفهمون الفهم الصحيح ويأتيهم من يغرر بهم،... وكذلك الأمور الاقتصادية لها دور، فالجائع أحيانا قد يستمع إلى أي طرف يقول له أنا الذي سأنقذك مما أنت فيه".
ومن أهم قِيم التحضر الإنساني المترسخة على أرض السلطنة، حرية العبادة وقبول الآخر، ففي السلطنة تجد المسلمين يؤمون المساجد، والمسيحيين يؤدون صلاتهم في الكنائس، وتجد الهندوس والسيخ لهم معابدهم، وهو الأمر الذي اقتضت به باقي دول الخليج مؤخرا، وأسرَّ لي أحد أصدقائي الأقباط، أنه يشعر على أرض السلطنة بأمان ويمارس عبادته بأريحية تفوق أي مكان آخر على وجه الأرض.
ولعل كراسي السلطان قابوس المنتشرة في كثير من جامعات العالم، ومعرض رسالة الإسلام في عُمان الذي جاب معظم قارات العالم ويتحدث بـ26 لغة مختلفة، تأكيد على الدور الإنساني الحضاري الذي تحرص عليه السلطنة في نشر الوسطية وتوصيل جوهر الإسلام بسماحته ورقيه، والتعريف بقيم التسامح الديني في عُمان، كما يتيح مجالا واسعا للحوار والتعايش والتفاهم بين الأديان والثقافات المختلفة، باعتباره قيمة إنسانية ضرورية من أجل مستقبل أفضل للعالم.