"للحب كلمة" أم "للموت كلمة"

تابعت المسلسل الخليجي "للحب كلمة" الذي عرض على شاشة mbc مؤخراً ، وهو من تأليف الكاتب فهد العليوة، وإخراج هيا عبد السلام، بمشاركة الممثلين: جاسم النبهان ، وأسمهان توفيق، وإيمان محمد، وزهره الخرجي، وشيماء علي، وهيا عبدالسلام، وفاطمه الصفي، وبشار الشطي، ومحمد العلوي، وفؤاد علي، وفرح الصراف، وبثينة الرئيسي التي ظهرت كضيفة شرف.
المسلسل سلط الضوء على قضايا اجتماعية أهمها دور الأب في الأسرة، ودوره في تقوية الروابط الأسرية بين أبنائه من زوجتيه الاثنتين الكويتية واللبنانية، وعكست صورة الأب (جاسم النبهان) الذي يصر على رأيه ولا ينصت لأبنائه ، ويظلم أخته، ولكن يلين قلبه لأفراد أسرته لمجرد أن يعرف أنه مصاب بمرض عضال وأن أيامه في الحياة باتت معدودة. كذلك تناول المسلسل قصص حب رومانسية، وموضوع الخيانة الزوجية، كما سلط الضوء على قضية تشغل بال أفراد المجتمع الكويتي وهي قضية البدون من خلال قصة الأم الكويتية (زهرة الخرجي) التي تزوجت من لبناني ثم انفصلت عنه، وابنها الشاب الذي عانى بسبب هذا الوضع.
ولكن ما لفت انتباهي في هذا المسلسل الدرامي الخليجي ليس قصته والقضايا التي تناولها - فهي قضايا نمطية ومكرره في أغلبها - لكن ما أثار دهشتي ولفت انتباهي هو كثرة مشاهد التدخين التي جاءت في هذا المسلسل، حيث يظهر ثلاثة شبان وهم يدخنون بشراهة في أكثر من مشهد، وربما لم تخل أي حلقة من حلقات المسلسل من مشهد تدخين، حيث يظهر الممثل (فؤاد الشطي) في دور (أنور) الزوج الشاب والأب لطفل ، ويظهر في أكثر من مشهد وهو يدخن بشراهة حتى في غرفة النوم. كذلك يظهر الممثل (فؤاد علي) في دور (أسامة) الذي يعكس صورة الشاب الذي يتلاعب بمشاعر الفتيات من خلال علاقات عابرة إلى أن يقع في الحب الجاد والحقيقي، ويظهر أسامة وهو يدخن في أكثر من مشهد. أيضاً يظهر الممثل محمد العلوي في دور (طارق) ابن الأب اللبناني والأم الكويتيه، ويظهر وهو يدخن في المنزل، وينفث الدخان في وجه أمه وهو يكلمها في أكثر من مشهد، فالمسلسل قدم صورة العلاقة التي تربط الأم بابنها ، فعلاقة طارق بأمه علاقة قويه جدا، فهو ابنها الوحيد، وهي ملاذه الحنون حيث يبث لها همومه، ولكن ما أثار صدمتي كمشاهد هو أننا لم نعتد بعد على رؤية مشهد الابن في الأسرة الخليجية المحافظة وهو ينفث دخان سيجارته في وجه أمه، وكأن مسألة التدخين أمر عادي ومتقبل بين أفراد الأسرة الخليجية.
سابقاً في الدراما الخليجية بشكل عام كنا نادراً ما نرى مشاهد التدخين، وإن قدمت صورة شاب يدخن أو يبدو وكأنه يدخن (لا يدخن حقيقة) يكون ذلك بشكل مقصود لتوصيل رسالة هادفة، حيث غالباً ما ارتبطت صورة الشاب المدخن في الدراما الخليجية بصورة الابن أو الشاب المنحرف أو الصورة السلبية، كأن تقدم مثلاً صورة الشاب المدخن كجزء من صورة الشاب المستهتر الذي يخرج ويسهر برفقة أصدقاء السوء ويدخن في المقاهي دون علم أبويه، ولكن في مسلسل (للحب كلمة) شعرت أن مخرجة العمل ومن خلال كثرة المشاهد التي يظهر فيها المدخنون وهم يدخنون في المنزل، وفي غرف النوم، وغرف المعيشة، وهم يتحدثون لأمهاتهم وزوجاتهم كأنها تريد أن تمرر من خلال هذا العمل الدرامي رسالة بأن التدخين أصبح أمراً عادياً وليس مضراً بالصحة، وأمراً متقبلاً في المجتمع والأسر والبيوت الخليجية المحافظة. فمن خلال قصة المسلسل وأحداثه لم تظهر لنا كمشاهدين أي عواقب وخيمة أو نتائج سلبية للتدخين أو للمدخنين، لنستطيع القول أن مشاهد التدخين في هذا المسلسل من الممكن أن تكون وسيلة لغاية نبيلة وهي التحذير من مضار التدخين.
ربما يرى البعض أنني متشددة ومتعسفة في رأيي – خصوصا ممن يدخنون أو ممن يرون أن مسألة التدخين هي حرية شخصية، وليس جرماً أن يظهر شاب وهو يدخن في أي مسلسل خليجي، وأنا هنا لا أريد أن أقول إني مع أو ضد التدخين، فهذا الأمر محسوم من قبل الأطباء والمتخصصين في المجالات الصحية، ويعتبر التبغ حسب الإحصائيات الطبية الأخيرة القاتل الأول في العالم، وأوضحت دراسات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل شخص كل 6 ثوان في العالم أي حوالي 5 ملايين شخص سنوياً ، ولكن أنا هنا أشدد على دور الفن البنَاء والايجابي والسامي وأدافع عن هذا الدور الذي يجب ألا يمرر رسائل مغلوطة للمشاهدين ـ خصوصا الشباب ـ رسائل قد تضر بصحتهم وتودي بحياتهم. فالدراما بشكل عام لها سحرها وأثرها القوي على المشاهد، كما أن للصورة بشكل خاص أثرها القوي على المشاهد، ونحن نسمع ونشاهد كيف أن العالم الغربي المتقدم يحارب التدخين بشتى الطرق من خلال تكثيف الحملات الإعلامية، ومن خلال سن القوانين والتشريعات التي تحظر التدخين في الأماكن العامة، وزيادة الضرائب على الشركات المصنعة للتبغ، بل ومن خلال تقنين وتقييد المشاهد الدرامية التي يظهر فيها مدخن قدر الإمكان في أفلامهم ومسلسلاتهم، خصوصا ما لم تكن هناك مسوغات درامية لذلك، وهذا هو الحال أيضاً في الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى تراجع نسب المدخنين في أوروبا والولايات المتحدة، نرى للأسف أن نسب المدخنين تزيد يوما بعد يوم في دولنا العربية، فأين دور الفن الهادف الذي يرتقي بالمجتمعات الانسانية من هذا؟ !! فمن المؤسف أن نرى مسلسلا خليجيا مثل مسلسل (للحب كلمة) أنتج مؤخرا (عام 2014م) وقام عليه فريق من الممثلين الشباب، ومؤلف شاب ومخرجة شابة ـ يفترض أن يكونوا واعين ومثقفين ـ وهو يعرض المشاهد المتكررة للتدخين والمدخنين، وكأن التدخين أمر صحي، بصراحة كمشاهدة رغبت في تغيير اسم وعنوان المسلسل من (للحب كلمة) إلى (للموت كلمة).

د.كاملة الوليد الهنائية
أستاذ مساعد بقسم الفنون المسرحية جامعة السلطان قابوس