"مجلس السبت" ـ أنموذجا ـ

تمثل المجالس الأدبية العمانية امتدادا طبيعيا للموروث الأدبي العربي، فقد عرف العرب هذا اللون الأدبي، فكانوا يجتمعون على موائده، كلما واتتهم الفرصة، بل كانت لهم جلسات سمر، يتعاطون فيها كؤوس الأدب، شعرا ونثرا، فينتقون لهم الأشعار الرائقة، لينشدوها إنشادا فيشنفون بها الآذان، فتطرب لها قلوب الحاضرين، وتتعالى صيحات الإعجاب، وهم لا يزالون يتفننون في الألحان، ويتنقلون فيها من فن إلى فن، ومن غرض إلى غرض.
وتعدّ المجالس الأدبية في سلطنة عمان نتاجا طبيعيا للقيم الإسلامية المطهرة، والعلاقات الإنسانية الطيبة، وتعبيرا صادقا عن العادات الاجتماعية العمانية الحميدة التي طالما تعلق بها العمانيون قديما وحاضرا، فعاشوا معا أسرة متضامة الوشائج، يجتمعون في مساجدهم ومجالسهم على كلمة سواء، فينصتون للعلم، ويطربون للأدب، ويحترمون الرأي على بساط التسامح والألفة.
بهذه الكلمات، صدر الدكتور خميس بن ماجد الصباري كتابه الجديد المعنون "المجالس الأدبية في عمان .. مجلس السيد قحطان بن ناصر البوسعيدي أنموذجا "، مستعرضا أنموذجا من نماذج المجالس الأدبية العمانية، التي تحافظ على أصالة القديم وتستفيد من معطيات العصر.
ويركز الكتاب ــ كما ذكر مؤلفه ــ على موضوعات محددة، أهمها : التعريف بالمجلس ومؤسسه، وأهميته ووصفه ومراسيم استقباله، وعرض أهم الأنشطة التي يقوم بها، ومن أبرزها الدروس النحوية للغة العربية، والقراءات الأدبية من شعر فصيح وعامي، ومداخلات وتحليلات نقدية، وأخيرا يفرد موضوعا لمجموعة من الصور التي تم تصويرها في بعض جلسات انعقاد المجلس، بهف الاحتفاظ ببعض الذكريات.
ويذكر الدكتور خميس الصباري في تقديمه للكتاب: أن اصداره ينحو في عرض مادته منحى عرض الموضوعات لا منحى الفصول أو الأبواب، لأن مادته مقتضبة، هدفها الرئيسي تقديم نموذج تعريفي.
ويقدم الكتاب بعدئذ لمحة عن مجلس السيد قحطان بن ناصر البوسعيدي، أو مجلس السبت كما اصطلح على تسميته، مشيرا إلى أن تأسيس المجلس تم في 1425هــ الموافق 2004م، في قرية "صاد" بولاية بوشر، وكان يعقد كل يوم سبت بعد صلاة المغرب، ثم مع تعديل موعد الاجازات الأسبوعية في السلطنة عام 2013م، من يومي الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت، تم تعديل موعد إنعقاد المجلس ليتم يوم الأحد من كل أسبوع في الموعد نفسه محتفظا بالاسم الأول (مجلس السبت)..
والمجلس هو تجمع الأصدقاء ومن يشاركهم ويألفهم بعقد جلساته في مجلس السيد قحطان بن ناصر البوسعيدي في بلدة (صاد) بولاية بوشر، وتدار فيه الأحاديث الودية وتروى القصص المفيدة والمسلية، وينشد فيه الشعر بأنواعه.
ويلخص المؤلف على لسان السيد قحطان أهمية المجلس فيقول: "مجلس السبت هو الآخر مفتوح للجميع، بهدف حث الناس على إحياء السبلة العمانية التي اختفت مع كل أسف، وأصبحت أبوابها مقتصرة فقط للأفراح والأحزان، ومجالس البيوت اقتصرت ـ هي الأخرى ـ على المناسبات والزيارات الخاصة، بينما كانت السبلة العمانية مفتوحة لأهل الحارة، والبلدة وللزوار والضيوف، تدار فيها الأحدايث والأخبار وتقرأ فيها الكتب والأشعار، فيتعلم الأطفال أدب السمت العماني الأصيل الذي يفقتده الكثيرون من أبناء هذا العصر.
ويعرج الكاتب إلى وصف المجلس، ومراسمه، من الاستقبال والسؤال عن الأخبار والمباسطة والمأدبة والقراءات الشعرية، ثم يأتي على بعض مما خطه ضيوف المجلس في سجل الزيارات، ورسائل الشكر الواردة لصاحب المجلس ونماذج من القصائد الملقاة في وصف مجلس السبت وصاحبه، ومواضيع حياتية أخرى.
ومن القصائد الواردة في الكتاب، مقطوعة شعرية للشيخ أحمد بن منصور البوسعيدي، يقول فيها:
ومنتدى أدباء الشعر من نبغوا
يفوق سوق عكاظ بالذي عرفا
يهواه كل لبيب أن يكون به
عضوا جليسا ينال الفخر والشرفا
تلقاه إما أديب صدر محفلهم
أو فارض فطن أو قارئ صُحفا.

ويقول الشيخ الدكتور عبدالله بن مبارك بن سيف العبري، في قصيدة طويلة في وصف المجلس:
من أين أبدأ منطقي وبياني
لخلاصة الأحباب والخلان
للمجلس الميمون في أنغامه
نشدو له من أعذب الألحان
الشعر ليس بمسعف في ساحة
هبة الكريم الواحد الديان
ويضم الكتاب بجانب ذلك، بعض القصائد لشعراء في الجاهلية والإسلام وفي الشعر الحديث، مما ألقيت في مجلس السبت، وقراءات نقدية في بعض القصائد التي ألقيت. وفي ختام الكتاب وضع المؤلف مجموعة من الصور المعبرة من داخل مجلس السبت بضيوفه، وبعض مراسمه وعادته.
والكتاب يمثل اضافة للمكتبة العمانية، في شأن تخليد المجالس الأدبية، والتعريف بها ونشرها، ومحفز لإصدارات أخرى في هذا الشأن. وهو يقع في (172) صفحة من القطع المتوسط.