يعود الخلاف بين أميركا وكوريا الشمالية إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قام الرأسماليون بدعم اميركا والمعسكر الغربي بالسيطرة على كوريا الجنوبية، وفي المقابل سيطر الشيوعيون على كوريا الشمالية بدعم الصين والسوفييت، وهنا أصبح الشرخ يزداد يوماً بعد يوم بين الكوريتيتن حتى أنه استمر بعد انتهاء الحرب الباردة وبقيت كوريا الشمالية على عدائها لأميركا بسبب دعمها وسيطرتها بشكل غير مباشر على كوريا الجنوبية.
ونجحت هوليوود منذ بدايتها أن تكون قوة ناعمة لصنع وتشكيل السياسات الأميركية ومساندة زعمائها السياسيين أمام الرأى العام بل وتجميل صورة بلاد العم سام فى عيون العالم من خلال ترسيخ صورتها وإبرازها كرمز ونموذج للقيم خاصة قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية واحترام الفردية والحرية الشخصية.
وكما يصفها بعض النقاد أن السينما ليست فقط أداة للترفيه، بل هي أداة مهمة جداً وسلاح خطير يستخدم لتمرير رسائل معينة ولتمرير أجندات سياسية معينة ولنشر أيديولوجيات خاصة ببعض الدول وبعض الثقافات.
ويقول ايان سكوت فى كتابه "السياسات الأميركية فى أفلام هوليوود" ، إن هذه الأفلام نجحت بشكل تدريجى فى تشكيل الأجندة الديمقراطية والمؤسسية فى الولايات المتحدة. وبمعنى آخر - كما قال الكاتب بيتر رولينز - إن هوليوود أنتجت أفلاما بشكل واع لتغيير اتجاهات الرأى العام تجاه أمور سياسية واجتماعية.
وهاجمت السينما الأميركية ، الفاشية والنازية والإرهاب والمارد الأحمر السوفيتى . استطاعت أيضا أن تجمل وجه السياسة الأميركية فى حرب فيتنام وأن تقدم الفيتنامين على أنهم متطرفون وأن تجمل الحرب على الإرهاب من خلال تقديمها على أنها ضرورة لحماية المواطن الأميركى من خطر الإرهابيين كما حدث فى سلسلة الأفلام التى قدمت عن هجمات 11 سبتمبر.
وتحظى مكتبة السينما الاميركية بالعديد من تلك الافلام ذات الطابع السياسي ، اشهرها "سميث يذهب إلى واشنطن" عام 1939 ، "كل رجال الملك" وهو فيلم قدم بعد أحداث 11 سبتمبر" المرشح المنشورى " عام 2006 وغيرها ..
واليوم تقدم لنا هوليوود أحدث أفلامها السياسية ولكن بقالب فكاهي، ويحكي عن مؤامرة وهمية لاغتيال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون، والذي اثار جدلا دوليا واسعا وزاد من حدة التوتر بين البلدين ، وكان سببا في هجوم إلكتروني على على شركة "سوني بيكتشرز" اليابانية والمنتجة له داخل الاراضي الاميركية.
حيث تراجعت "سوني" عن عرضه بعد استهدافها. ثم غيرت الشركة رأيها وأتاحته للجمهور.
المقابلة (The Interview) : هو فيلم كوميدي سياسي ، من اخراج الكندي سيث روغن وإيفان غولدبيرغ ، ذلك الثنائي المعروف بإنتاج بعض أفضل أفلام الكوميديا خلال العشر سنوات الأخيرة " Knocked Up, Superbad, Pineapple Express" ويعد المقابلة ثاني عمل إخراجي لهما بعد " This Is the End " عام 2012. السيناريو من كتابة دان ستيرلينغ مأخوذ من قصة كتبها روغن وغولدبيرغ وستيرلينغ .
تمكن فيلم المقابلة من تحقيّق أفضل دعاية في العالم قبل عرضه، بسبب استفزازه لكوريا الشمالية، وتحريك مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي والرئيس باراك أوباما للحديث عنه .
ويعتبر بعض نقاد السينما ان الفيلم يسيء الى اميركا اكثر منه الى كوريا الشمالية من حيث تفاهة المضمون فهو عبارة عن قصة خفيفة تستجدي إضحاك المشاهد، ومحتواه لا يستدعي كل ذلك الغضب والتهديدات من كوريا الشمالية وزعيمها الذي اعتبره ، منذ ربيع العام بمثابة إعلان حرب، بينما كان لا يزال في التصوير وتوعد بإحلال اقصى عقوبة على الشركة المنتجة. ولكن ما رأته الصين يختلف عن ذلك حيث ، نددت صحيفة صينية بالفيلم وانه يسيء للزعيم الكوري الشمالي.
يذكر ان الهجوم الذي كشفت عنه سوني في اواخر نوفمبر ادى إلى شلل النظام المعلوماتي للشركة وترافق مع عرض على الانترنت لخمسة أفلام تنتجها الشركة بعضها لم يعرض على السينما بعد والكشف عن البيانات الشخصية لـ47 ألف موظف ووثائق سرية مثل سيناريو فيلم جيمس بوند الجديد ومجموعة من الرسائل الإلكترونية التي شكلت إحراجا كبيرا لمسؤولي الشركة.
وتتهم الولايات المتحدة كوريا الشمالية بالوقوف وراء الهجوم على سوني بيكتشرز، إلا ان الاخيرة تنفي أي صلة لها بهذا الهجوم الإلكتروني .
الفيلم من بطولة الكوميديين ، جيمس فرانكو ويقوم بدور مذيع مقابلات يدعى "دايف سكايلارك" وسث روغن في دور معدّ برامج تلفزيونية طموح "آرون رابابورت" ، ويقوم بتجسيد دور الزعيم الكوري الشمالي كيم جون - أون ، الممثل رانداك بارك .
يذكر ان الممثل "جيمس فرانكو" لعب دور البطولة في فيلم تلفزيوني عن السيرة الذاتية لحياة الممثل جيمس دين، وحاز عن هذا الدور على جائزة غولدن غلوب لأفضل ممثل. ظهر في العديد من الأفلام منها "Milk " ، " Spider-Man" و و" 127 Hours " .
وعن جودة الفيلم ، فأنا لا أنكر أبداً أن الفيلم حظي بمقاطعه المميزة، من خلال لحظة معينة ستشعر بقوة الفكرة المطروحة في منتصف السخرية الكوميدية المستمرة طوال مدة العرض إلى جانب أداء مميز جداً من جيمس فرانكو وبالطبع سيث روغين ، إخراج مميز بالفعل حتى لو تعلق الأمر بفيلم كوميدي إلا أن إضافة القليل من مقاطع الأكشن الجيدة كانت فكرة مميزة وإيجابية لهذا العمل السينمائي.
مضحك بشكل منصف، ممتع على نحو كبير، على كل حال مستوى الكوميديا لم يكن مفاجئاً، فهو شبيه جداً بأسلوب الثنائي سيث روغين وجيمس فرانكو أي لا يمكنك أن تتفاجأ من هذه الناحية أبداً أو حتى بسبب بعض الأفكار، المقاطع، أو الكلمات المطروحة أمام الشاشة .

أحداث
يعمل دايف سكايلارك محاورا لبرنامج شهير يدعى ليلة سكايلارك ، وزميله آرون رابابورت صحفي موهوب يقوم بإعداد نصوص الحوارات له ، يستضيف سكايلارك العديد من المشاهير العالمية في برنامجه الذي حقق ملايين المشاهدة بمساعدة زميله الصحفي الذي يخبره انهم لابد ان يتجهوا لإدارة حوارات مع مؤلفين او سياسيين ونشطاء ويبتعدوا عن المقابلات الترفيهية وعالم المشاهير وفضائحهم ذاك الذي يعتبره تافها بلا قيمة.
يقترح عليه سكايلارك بأن يجري حوارا مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وذلك بعد ان قرأ تقريرا عنه يكشف مدى اعجابه ببرنامجهما التلفزيوني .
بطريقة ما ، يحظى آرون بمقابلة مع سوك ، سكرتيرة وزير اتصالات كوريا الشمالية، وذلك في الصين لعمل الترتيبات اللازمة ، واطلاعه على شروط رئيسها لإجراء تلك المقابلة .

سي آي إيه
وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كانت أول من يطرق الباب على سكايلارك وآرون، بعد اعلانهما عن مقابلة الزعيم الكوري الشمالي، وذلك بهدف التخلص منه اثناء المقابلة.
العميلة لاسي ، تمكنت من اقناعهما بتلك المخاطرة الكبرى ، وقدمت لهم شرحا عن خطة اغتيال الزعيم عبر تسميمه، وذلك عبر سم قاتل سريع المفعول، يلصق باليد وعند المصافحة ينتقل السم في اتجاه اليد الأخرى. حين وصولهما إلى مطار العاصمة الكورية تستقبلهما سوك وتنقلهما إلى القصر الذي يشبه القلعة حيث يعيش الرئيس الكوري .

الزعيم الكوري
وفي الصباح يذهب كيم جونغ أون الى غرفة سكايلارك لمقابلته ويظهر له مدى عشقه لبرنامجه ، هنا يأتي دور الهزل الذي تحدثت عنه مسبقا. الرئيس الكوري يبدو شابا رياضيا لطيفا وعلى قدر من التفاهة ما يثير إعجاب سكايلارك كونه شخصية ساذجة بالفطرة ، حتى انه يستمع الى الاغاني الاميركية ، وسريعا تتحول فكرة الزعيم المجنون والمتوحش الى دعاية غربية ومؤامرة يدعيها العالم من حوله وفي مقدمتهم اميركا.
هذه القناعة التى تؤثر على سكايلارك وتجلعه يتراجع عن اغتيال الزعيم ، تستمر معه الى أن يحضر اجتماعا حكوميا يرأسه كيم ، حيث يتوعد العالم بأسره بشن حرب تدميرية.
هذه الكلمات والانفعال الغاضب يقلب إعجاب سكايلارك إلى مخاوف. ويبدأ في البحث عن الحقيقة ، هنا فقط يدرك أن الرجل مجنون بالفعل وخطر وأنه ديكتاتور حقيقي وعليه وآرون تنفيذ المهمة التي جاءا لأجلها.

المقابلة
ومع مرور الاحداث ، تنشق سوك عن الزعيم الكوري ، تخبر صديقها الجديد آرون أن السبيل لإسقاط كيم الزعيم الأوحد والإله في نظر شعبه ، هو الكلمة لا السلاح ، وذلك عبر اجراء تلك المقابلة معه وكشف حقيقته المزيفة امام شعبه عبر الهواء امام العالم .
يرتب الثلاثة لمقابلة تلفزيونية يجريها سكايلارك. وفي المقابل يملي عليه الزعيم الاسئلة التى سيوجهها له والتي ستقدمه كملهم وفنان، وبالفعل يبدأ المذيع بأسئلة يبتسم لها كيم لأنها تناسبه، لكن سكايلارك ينقلب لاحقا إلى ما خطط له، ويسأله: "لماذا لا تطعم شعبك الجائع؟ " .
وبعد سرب من الاسئلة الموجعة والفاضحة، يبكي كيم امام العالم ، لانه ببساطة ليس لديه إجابات مقنعة ، ووراء الكاميرا صراع على قطع البث ، تنقسم عناصر حمايته بين مؤيد ومعارض له.
الملايين على الشاشات مصدومون، إذ كيف يبكي زعيمهم كالاطفال ؟ الأغلبية تنعت الرئيس الكوري بالكاذب .
كيم يجن جنونه ويوجه رصاصة نحو صدر سكايلارك ، الذي يختتم حلقته ويطمئن العالم انه بخير كونه مرتديا قميصا واقيا ضد الرصاص .
يٌقتل الزعيم الكوري بتفجير مروحيته العسكرية ، ويتمكن سكايلارك وآرون من الهروب خارج بيونغ يانغ ، والعودة الى اميركا .
لاحقا نشاهد على شاشات التلفزيون الكوري الشمالي ، سوك تقود التظاهرات ، ويهتف سكايلارك " لقد أشعلنا الثورة " .
يحمل فيلم المقابلة الكثير من المرح على الطريقة الساخرة وغير المتكلفة للمخرج روجن. ورغم أنه يمكن الجدل بشأن مدى الكياسة في تناول موضوع اغتيال زعيم دولة حقيقي، فإن ذلك يمثل في بعض الأحيان وسيلة في غاية الذكاء ونفاذ البصيرة السياسية. وهذا هو السبب الذي جعل كوريا الشمالية ترد على الفيلم بطريقة عدوانية. لأنه إذا شاهد الفيلم جمهور من حول العالم وإذا تمت قرصنة نسخ منه ودخلت كوريا الشمالية فهذا يمثل تهديداً حقيقياً لشرعية النظام الحاكم هناك.
ولكن يبقى السؤال في ما إذا استحق الفيلم كل ما حدث من تهديدات، اختراقات، انسحابات أو حتى مشاكل في الإنتاج بسبب ما طرحه حول كوريا الشمالية ؟
بعيدا عن انه سخر من الرئيس الكوري الا أنني لا اعتقد كل تلك الضجة حول الفيلم ، حيث انه انطلق من ناحية السخرية ولم يقدم سوى القليل من الإحصائيات أو المحادثات السياسية القوية .

رؤية : طارق علي سرحان
[email protected]