جودة مرسي:
يوجد رأيان لخبراء المال حول النظام الاقتصادي العالمي وطريقة تعامله مع جائحة كورونا. الرأي الأول يعرب عن التخوف إزاء مخاطر الحاضر والمستقبل المحتملة من أن العالم لن يعود منتشيًا اقتصاديًّا كما كان سابقًا قبل الابتلاء بوباء كورونا "كوفيد19" وتوابعه التي تتجدد بمسمى جديد كل بضعة أشهر، خصوصا وأن كل دول العالم بدون استثناء تضع شروطًا قوية للقادمين إليها عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية تتمثل في اشتراط حصول القادم على جرعتين من جرعات التحصين الخاصة بالوباء مع حمل شهادة تحليل تثبت خلوه من المرض (بي سي آر) لا يمر عليها أكثر من 48 ساعة، ومع كل هذه الاحتياطات نرى عودة الانتشار السريع للوباء، وأدى إلى اتخاذ بعض البلدان قرارات بحظر التجوال والإغلاق مما يؤثر بالتالي على العملية الاقتصادية ومشاريع التنمية الخاصة بهذه الدول، وبالتالي مع تعاملاتها الخارجية، فيصبح التأثير عالميًّا.
أما الرأي الثاني وهو النقيض من هذا التصور، فيرى أن التعافي الاقتصادي قادم لا محالة، وأن المؤشرات تقول إن عجلة التنمية في بعض البلدان استفادت من تجارب الاعتماد على الذات خلال فترة حظر الاستيراد في بداية اشتداد الوباء منذ عامين، مما أدى إلى توفير العملة الصعبة وإنشاء مجالات جديدة للإنتاج اعتمدت على العناصر المحلية، سواء الأيدي العاملة أو المواد الخام، ساعد ذلك القائمين على تنظيم السوق المالية بشكل أكثر تركيزا في توجيهات الاستثمار المالي.
وهنا تأتي المشاريع المحلية الأكثر إلحاحًا في تطوير موارد رأس المال، سواء مع الشريك الأجنبي أو المحلي، والسلطنة انتصرت للرأي الثاني حين خطت العديد من الخطوات الإيجابية في هذا المجال، وكان الملمح حاضرا وبقوة في تبنِّي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ـ في خطابه بمناسبة ذكرى تولِّي جلالته مقاليد الحكم في البلاد، حين أكد على توفير فرص عمل للمؤهلين، وتأهيلهم بالمهارات اللازمة للانخراط في سوق العمل، ومساعدة رواد ورائدات الأعمال الذين يرغبون في تأسيس مشاريعهم الخاصة، في الأخذ بأيديهم وتشجيع برامج ريادة الأعمال وتقديم الدعم والحوافز اللازمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ نظرًا لدورها المحوري في تنشيط الحركة الاقتصادية وتوفير المزيد من فرص العمل. ولم تمر أيام قليلة إلا ويرعى صاحب السُّمو السيِّد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب الأحد الماضي حفل تشغيل مصنع أوكيو للغاز البترولي المُسال بمحافظة ظفار التابع لمجموعة (أوكيو) بإجمالي قيمة استثمارات بلغ قرابة 318 مليون ريال عُماني.
ويُمثل المصنع أحد أهم مشروعات الطاقة المهمَّة لمجموعة أوكيو الذي يجسِّد توجُّهات الحكومة نحو تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي، وتعظيم القيمة المحلية المُضافة للموارد الطبيعية وتنفيذًا لرؤية عُمان 2040م، الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل. ومثل هذه المشاريع اتساقًا مع الهدف الاستراتيجي للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية في السلطنة لإيجاد مشاريع القيمة المضافة، وتوسيع الآفاق لصناعات أخرى تقع في مصب سلسلة القيمة المضافة للغاز البترولي المسال. وأن هذا المشروع يجلب معه الكثير من المنافع، كإيجاد فرص التوظيف والتدريب للمواطنين في المنطقة، ويسهم في تنمية الفرص للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وهذا المثال يتماشى مع رؤية عُمان 2040م، والذي يتم تطبيقه رغم ما يمر به العالم من آثار كورونا "كوفيد19" وتوابعه مع اختلاف التعامل مع طبيعة العوامل الخارجية يثبت صدق وجدية أصحاب الرأي الثاني بأهمية الاعتماد على النفس في تنمية الاقتصاد والتغلب على أضرار الجائحة، والاستفادة من الموارد المحلية، سواء في الصناعة أو الزراعة أو تنمية السياحة، كل هذه الأصول الطبيعية تزيد الموارد وترفع من عجلة التنمية، وتكون هي بوابة الأمان حين تغلق أبواب الأجواء الملاحية، وننجح في التعامل بجدية مع المخاطر العالمية.