معظم الأدوات المستخدمة في الصناعة إن لم يكن جميعها وما تنتجه من استخدامات مختلفه ومتعددة في حياة الشعوب اليومية كانت في الأساس صناعات حرفية بسيطة يمارسها الانسان بالقدر الذي تتيح له الإمكانيات القيام بها ، ومع التطور التقني في الصناعة استطاعت معظم الدول تحويل تلك الحرف البسيطة الى صناعات تنتج مواد واستخدامات تواكب مراحل التطور السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم ، أبهرت بها تلك الدول التي لم تعط حرفها اي اهتمام وفضلت الحفاظ عليها كإرث حضاري وثقافي فقط لا يصلح الا تقديمه كهدايا يحمل في جنباته تذكارا من الماضي ، ولعل من أبرز الدول التي استطاعت تحويل حرفها الى صناعات ذات عائد اقتصادي كبير غزت بها العالم جمهورية الصين ، حيث لم تكتف فقط بتصديرها للعالم كما هي وإنما ادخلت عليها الكثير من التطوير الذي حافظ على هويتها الثقافية وسهل من استخدامها ، فيكاد لايخلو اي منزل في العالم من وجود منتج صيني كان في الأساس حرفيا ، بل تعدى اهتمام هذا البلد حتى بتطوير حرف لدول اخرى ثم إعادة تصديرها اليها ومن بينها بطبيعة الحال السلطنة التي يوجد بها حاليا عدد من الحرف التقليدية العمانية صناعة صينية .
والسلطنة على الرغم من كونها دولة في المنطقة اهتمت بهذا الجانب من خلال انشاء وزارة للتراث القومي والثقافة وتلى بعد عدة سنوات انشاء هيئة عامة للصناعات الحرفية باهتمام سامي من لدن جلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ الا اننا لم نصل الى الدرجة التي يفترض ان تترجم من خلالها هذه المؤسسة أهدافها وتمكينها من اداء دورها في تحويل الصناعات العمانية إلى أحد القطاعات التي تسهم في الناتج المحلى والعائد الاقتصادي للبلد ، كما انه من المؤسف حقا ان تكون السلطنة ممثلة في الهيئة مرجعا تسترشد بها العديد من الدول ليس الخليجية فحسب وإنما العربية أيضا فيما أعدت من دراسات حول عدد من الحرف التقليدية واستخداماتها .
والسؤال المطروح لماذا لم تمكن الحكومة الهيئة حتى الان من القيام بدورها في إبراز هذا الموروث الثقافي ذي الثروة الثقافية والسياحية والاقتصادية العائدة على البلد؟ وتتمسك بأن ما يجب ان تنتجه يقتصر في إطار محدود من المنتجات على الرغم من ارتفاع مؤشر الشعور والإحساس الوطني لدى المسؤولين في الهيئة بتحويلها لتكون أحد الأجهزة التي تساهم في الدخل القومي غير النفطي ، حيث ان هناك رغبة حقيقية ليس فقط بالأخذ بيد الحرفي وإنما بالاهتمام بالحرفة وتطويرها، ودليل ذلك أن الحرفي الذي كانت قبل سنوات تبذل جهودا ليكون من ضمن أنشطة وبرامج الهيئة وتدفع له المغريات في ذلك مادية او معنوية ، اصبح اليوم هو من يسارع اولا للحصول على بطاقة الحرفي وثانيا المشاركة في أنشطتها. ومعارضها والاستفادة من برامج التدريب المقدمة في مراكزها الحرفية ، اذا هناك صحوة حرفية يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الحكومة وان تستثمر بالشكل الذي يصنع حرفيين منتجين يستفيدون ويفيدون الاقتصاد خاصة وإننا بحاجة ماسة الى التنويع في الاقتصاد لمواجهة التقلبات التي يشهدها العالم في أسعار النفط.
الدراسات والمؤشرات الإحصائية لدى الهيئة تؤكد على أن هناك مخزونا كبيرا من المواد التي يمكن ان تستخدم في العديد من الصناعات الحرفية ، فعلى سبيل المثال كمية الجلود التي توفرها الثروة الحيوانية لو ما استغلت بالشكل الصحيح بدلا من إسناد مناقصة لشخص من اكثر من ٢٠ عاما يصدرها لخارج السلطنة ستوفر دخلا للاقتصاد يتخطى حاجز المليار ريال عماني ، كما ان كمية الرمال على الشواطئ التي تمتد لأكثر من ١٧٠٠ كليو متر وتتميز بجودة عالية عالميا في صناعة الزجاج هي الأخرى ذات عائد مادي كبير ، فضلا عن النسيج العُماني اذا ما استثمر تجاريا يكفي ان يؤمن لباس الإحرام لملايين المسلمين سنويا وبجودة عالية بدلا من استيراده حاليا من الصين .
كل ذلك مؤشر يدل على أن هناك ثروة حرفية اذا ما قدم لها الدعم المطلوب للإنتاج التجاري سيكون لها دور فاعل ومؤثر في تعزيز ليس الجانب الاقتصادي للسلطنة وإنما الاجتماعي للفرد والاسرة والثقافي للمجتمع ، فإلى متى ستظل تجرى البحوث والدراسات والمؤشرات الإحصائية دون ان يكون هناك حراك جاد من الجهات المعنية للتفعيل ؟ فلنترك عنا الجانب المحاسبي وننظر الى عائد هذه التوجهات على مستقبل البلد ومواطنيها فإذا ما ضعف النفط كسلعة مباعة لن يجدي المجتمع نفعا سوى الاعتماد على الحرف التقليدية الأكثر أمانا وضمانا مثل صيد الأسماك والزراعة والصناعات الحرفية ، وهي ما أدركه العديد من الدول وعملت بموجبه ليكون ذلك عائدها المادي القوى الذي لا يتأثر بالتقلبات العالمية التي تحركها السياسة.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]