علي بدوان:
ما زالت مسألة "يهودية الدولة" المتفاعلة داخل دولة الاحتلال "الإسرائيلي" تدور في مساحات الحوار داخلها "أي دولة الاحتلال". وما زالت عبارة قانون "يهودية الدولة" (قانون القومية)، هو السائد في نقاشات الكنيست، ومختلف الأحزاب "الإسرائيلية". حيث يتم حصر المواطنين العرب في الداخل والتضييق عليهم، ومعاملتهم بطريقة عنصرية، بل وتسعى دولة الاحتلال لإحداث ترانسفير جديد بحقهم لإخراجهم من أرض وطنهم التاريخي باتجاه الشتات والمنافي. فالرواية هنا خرافية ميثولوجية لا علاقة لها بالمنطق أو العقل، بل هي عملية اصطناع مفبرك.
كلمة "يهودية الدولة"، لفظ "العبري" وقانون القومية، وهي كلمات مصطنعة، ومفبركة، وثمة نظريتان حول أصل لفظ "العبري" باعتبار أن كلمة يهودية تَدُل على (دين) وليس على أساس قومي.
والنظرية الأولى حول أصل الكلمة المصطنعة إياها، ترى أن هذه الكلمة مأخوذة من (خابيرو أو عابيرو)، بمعنى عَبَرَ، للإشارة إلى قوم أو أقوام معينين، أي أنها في الأساس صفة لقوم حولت لاحقًا من صفة إلى اسم علم. وفي النهاية فهي اسم قوم أُطلق على اللغة التي يستخدمونها. والنظرية الثانية تقول إن الكلمة (اللفظ) في الأصل إشارة إلى لغة (أو لهجة) معينة تحدث بها قوم أو أقوام عرفوا بها.
أما استخدام كلمة "الدولة العبرية" هنا، وكما ورد أعلاه فهو يأتي للدلالة عليها من حيث مشروعها لنفسها كما أراد الغرب الاستعماري، وهلل لقيامها، وخصوصا بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وحتى الاتحاد السوفييتي السابق، الذي اعتبر أن قيام دولة عبرية "إسرائيل" هو بمثابة فتح الباب أمام الشيوعية. علمًا أن استخدام المصطلح للدلالة على "إسرائيل" ليس دقيقًا تمامًا من الناحية العلمية، فاليهود الحاليون، ويهود أوروبا (الإشكناز) بالأساس وهم الذين أسسوا كيان دولة "إسرائيل" وصبغوها بصبغتهم وما زالوا مهيمنين عليها، ليسوا عرقيًّا من جنس واحد، وليسوا من نسل العبريين الأوائل، بل هم من أقوام اعتنقت اليهودية في وقت متأخر في أوروبا تبشيرًا وليس توارثًا عرقيًّا. بهذا المعنى فإن اليهود الحاليين، والأوروبيين منهم على وجه التحديد، ليسوا عبريين بالمعنى المشار إليه أعلاه، كما أن القول بـ(دولة عبرية) كأنما نطلق تسمية "الدولة العبرية" على "إسرائيل" نسبة إلى لغتها، حيث يغدو الأمر أكثر إرباكًا، فالدول، بوصفها كيانات سياسية، لا تسمى باسم اللغة التي تتكلمها فلو سرنا مع منطق تسمية الدولة باسم لغتها، لتعين علينا، على سبيل المثال، إطلاق اسم "الدولة الإسبانية" على كل واحدة من الدول التي تتكلم الإسبانية في أميركا اللاتينية، ولتعين علينا أيضًا أن نطلق اسم "الدولة الألمانية" أو "الفرنسية" على كل دولة. كما أن شريحة كبيرة من سكان "إسرائيل" لا تتكلم سوى اللغة الروسية (22% تقريبًا من مواطني وسكان إسرائيل من أصول روسية)، خصوصا مع الهجرة الواسعة لفلسطين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، من أوائل وحتى منتصف العام 1995، وأردنا ترجمته وعكسه على الاسم. وبقي، وهو الأهم، أو على ذلك الجزء منها، الذي يتحدث الألمانية أو الفرنسية.
أما جدلية وتعريف "من هو يهودي" فما زالت قائمة حتى اليوم في "إسرائيل"، حيث لم تُحسم بعد، ولن تحسم قريبًا، فضلًا عن نتوءات عدة فاقعة، أبرزها أولًا: مكانة المواطنين العرب الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة عام 1948 وهم أصحاب الوطن الأصليون، وثانيًا: إن هناك مهاجرين جددًا لفلسطين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، اتخذوا من الهجرة، ومن التحوُّل من الديانة المسيحية إلى الديانة اليهودية، من أجل الهجرة لدول الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. ثالثًا: جدلية الدين والدولة وقضايا وقوانين الأحوال الشخصية. ورابعًا: انعدام دستور للدولة وغيرها، حيث تحاول الدولة الصهيونية حتى الآن التعويض عن انعدام الدستور فيها بما يسمى قوانين أساسية وهي أحد عشر قانونًا تُعد أكثر أهمية وسطوة من القوانين العادية، حيث ينص قانون الأساس على تعريف "إسرائيل" على أنها "دولة يهودية وديمقراطية" (لاحظ: يهودية قبل ديمقراطية)، وجاء ذلك التعريف بعد نقاش جرى في "الكنيست الإسرائيلي" قبل أكثر من ربع قرن مضى، واختلفت حتى "الأحزاب الإسرائيلية" بين عبارة "دولة يهودية" أو "دولة الشعب اليهودي" وكان القرار خلال التصويت على القانون عام 1985 البند السابع/أ على "دولة يهودية" ذي الطابع الديني والقومي معًا حسب تفسير أصحاب الاقتراح، فيما يذكر بما قاله بن جوريون قبل عقود "بأن إسرائيل هي دولة اليهود أينما كانوا". لكن الحقيقة تقول بأن الدولة اليهودية خلف التاريخ.