بدر بن زاهر الكيومي:
المستهلكون أصبحوا مفتونين بمشاهير ومُؤثِّري (السوشيال ميديا)، توسُّع في التجارة الرقمية، تغيُّر في أساليب الحياة، أجهزة ذكية وتكاثر في أعداد التطبيقات، الفضاء أصبح مفتوحًا، محتويات المنصات الاجتماعية تصل إلى الصغير قبل الكبير، الأَبَوَانِ يتذمران من تعدد طلبات الأبناء، هذه الطلبات بسبب ما يشاهدونه من ترويج المُؤثِّرين على الكماليات والمأكولات، والأدهى الأمر عندما يرتبط العرض بالقرب المكاني.
دور كبير مهم يقوم به المشاهير والمُؤثِّرون، خصوصًا الجوانب التوعوية والتثقيفية، ولكنَّ عددًا من المُؤثِّرين وليس الكل انحرفوا عن هذا المسار وخرمُوا القاعدة العُرفية المُتبعة في ذلك، مما انعكس في ردة فعل هجومية من قبل الجمهور نحو العديد من المحتويات المُقدمة.
بدايةً يجب أن نُفرق بين المشهور والمُؤثِّر، "المشهور هو من اكتسب القاعدة الجماهيرية له من خارج منصات التواصل الاجتماعي مثل وسائل الإعلام المختلفة ككتاب الرأي في الصحف والمسرح ووسائل الإعلام المرئي والمسموع، والرياضة، والفن وغيرهم من المجالات، بينما المُؤثِّر هو من يملك عددًا كبيرًا من المتابعين واكتسب شهرته من خلال منصات التواصل الاجتماعي كالإنستجرام والسناب وغيرها من المنصات، وأن يكُون تأثيره في مجال مُحدد."
ولكن السؤال المطروح: هل المُؤثِّر يملك الثقافة العالية عن كُل منتج أو خدمة حتى يثق الناس فيه بهذا المدى؟ وهل هذه الثقة التي اكتسبها تعتمد على خبرته في ذلك المجال؟ أم أن الجمهور يثقون بذوقه؟ نسبة كبيرة من المُؤثِّرين أو المُروِّجين جعلوا من الأخلاق والأمانة من أولوياتهم، ولكن نعترف بأن ذلك من باب الاجتهاد فقط، ولكنَّ عددًا ليس بالقليل من هؤلاء المُؤثِّرين ركَّزوا على الربح المادي مُستعينين ومُنتفعين من ثقة القاعدة الجماهيرية فيها، والأصعب من ذلك كُله بأن نرى مُؤثِّرين يُروِّجون لأدوية وأعشاب وكذلك لعيادات، باختصار التي تمس صحة الإنسان ولو بعد فترة من الزمن، وهُم لا يعلمون إن كانت هذه الأدوات الصحية مُقلدة أو مغشوشة مع مُواراة الضُّعف، كما يُروِّجون لبضاعة لا يعلمون ما يدور خلف كواليسها، كل ما يهمهم فقط الكسب المادي من السلعة أو المنتج الذي يُروِّجون له دون أدنى اعتبار أو اهتمام بالأبعاد الأخرى.
ولكن أنا كمُستهلك، ماذا أنتظر من هذا التضليل الذي وقع عليَّ بسبب اجتهادات المُؤثِّر؟ فالمحل التجاري يربطني به قانون تجاري، بينما المُؤثِّر غير مسجَّل كصاحب نشاط تجاري، إذًا كيف سيتم التعامل معه قانونيًّا؟ الإجراءات رُبما تطول، فتجدهُ عند قيامه بالترويج للمنتج مُعتمد على العاطفة والإحساس، ونحنُ كمُستهلكين عادةً ما نتأثر بقولِ المُجرب أكثر من خِطاب الشركات التجارية؛ لأنني أنظر إلى المُؤثِّر عند ترويجه للسلعة كمُجرِّب، وكذلك من منظور "اسأل مُجرِّب ولا تسأل طبيب" ولهذا السبب تجد أن الإعلان يُلامس العاطفة والأحاسيس.
بالإضافة إلى أنهُ أصبحت بيني وبين هذا المُؤثِّر ـ الذي دائمًا ما أعجب بالمحتوى الذي يُقدمه ـ ثقة كبيرة، ولهذا فيتوجب على المُؤثِّر أن ينتبه إلى أن عُرف أخلاقيات الإعلان: المصداقية والأمانة، واتِّباع المعايير في التعامل مع السلع المتعلقة بصحة الإنسان، مثل: الابتعاد عن الاجتهادات في كل ما يمس صحة الإنسان، خصوصًا التي لا يملك الخبرة المُناسبة فيها مثل الأدوية الشعبية وأدوات التجميل، وأن يكُون التوجُّه ليس المال فقط، بل الجودة واستدامة الثقة التي منحها الجمهور له. ولكن السؤال: هل يعي بعض المُؤثِّرين أخلاقيات الإعلان والدعاية التي أصبحت مصدر كسب لهم؟؟
ويشكك عدد من كبير من الجمهور بأعداد متابعي المُؤثِّر، ويشمل هذا التشكيك كذلك المتفاعلين مع التغريدات المطروحة، حيثُ توجد حاليًّا برامج عديدة تعمل على تنشيط التفاعل الكتابي مع تلك التغريدات.
وحول الفرق في الإعلان الصادر من خلال الوسائل الإعلامية التقليدية ـ مثل الصُّحف والتلفاز وغيرها من الوسائل ـ وبين منصات المُؤثِّرين، فأعتقد بأن الوسائل التقليدية لا يُوجد بها إلحاح واستعطاف من قبل الوسيلة الإعلامية، بل تطرح لك الإعلان الذي وصلها من خلال المؤسسة التجارية. ونستذكر المقولة القائلة في أخلاقيات الإعلان "طبيب الأسنان لا يعمل إعلان ولا ترويج لمعجون الأسنان" لأن قُوة التأثير عند المتلقي ستكون مُبالغًا فيها، فمن جانب أخلاقي يجب أن يحترز المُؤثِّر، وأن ينتبه عندما يعمل إعلانًا في مجاله.
وعند الحديث عن وعي المجتمع حول التعامل مع الترويج الإعلاني بالمنصات الاجتماعية، أعتقد أن الوعي لم يكتمل بعد، وهذا ما نشاهده من توجُّه مجتمعي وتزاحم بسبب إعلان من أحد المُؤثِّرين دون أدنى وعي بمدى الحاجة لهذا المنتج، وهل فعلًا الإعلان حقيقي؟ فالوعي يتطلب منا معرفة كاملة، وتحليل المُحتويات بما فيها الإعلانية التي تُطرح، وكذلك تحليل المنصة المُقدم من خلالها والتي يتطلب منا فهم كيف تتم التأثيرات والسلوكيات المستخدمة ونوعية ومدى التأثير النفسي والاجتماعي على المُؤثِّر والمستهلك، والحرص على الهوية الوطنية في المُحتوى. وخلاصة القول: "الجانب التنظيري أو الأكاديمي غير مُكتمل بعد، فعندما يكتمل هذا الجانب بحيثُ يشمل معايير تحليل المضمون وأدوات القياس فبعدها سنتمكن من قياس مدى الوعي؛ لأن المرحلة الحالية الناس مُنغمسة في المُمارسة اليومية، وكذلك تزايد عدد المنصات بين فترة وأخرى، الناس لم تجد الوقت الكافي لفهم التويتر واليوتيوب حتى ظهر الإنستجرام والسناب والتيك توك، مما نتج عنهُ بأن يكُون المُمارسون هم المُنظرين لذات المجال.
ويُروِّج البعض بأن المُؤثِّرين قد أضعفوا المشاهير، وبالأخص كُتَّاب الرأي، ولكن المُلاحظ بأن كُتَّاب الرأي ما زالُوا مُحافظين على مكانتهم الاجتماعية عند الأغلب؛ لأنهم عندما يكتبون أو يتحدثون دائمًا ما يكُون عندهم منطق، ويُقارعون الحُجة بالحجة، والمعلومة المُقدمة من قبلهم دائمًا ما تكون مُحللة التحليل الدقيق وصادقة والتي دائمًا ما يثق بها الجمهور.
وهنا نكرر الرسالة التي يُنادي بها الجميع، التعجيل في التشريعات القانونية وتنظيم السوق الرقمي والمحافظة على الهوية الوطنية في الإعلانات والتي بدورها ستحمي المُستهلك وتحفظ جيبه، وكذلك المُؤثِّر، وستقلل من انتشار السلع التقليدية من دون علم المشتري، وكذلك ستحمي المستهلك من مُزوِّري الحسابات بأرقام وتفاعلات وهمية.