د. يوسف بن علي المُلَّا:
لقد تابعنا جميعًا وصول متحور كورونا الأخير (أوميكرون) وانتشاره السريع في معظم دول العالم. فهل يكون حقيقة هذا الوصول شاملا لدرجة أنه ينتهي الأمر بهذه الموجة إلى أن تكون الأخيرة للجائحة (كوفيد-19)؟ من يدري لعلَّها لن تكون هذه الموجة الأخيرة أيضًا! ليس هناك الكثير من الأشياء التي أرغب في أن أكون واثقًا جدًّا منها ولكن هذا واحد منهم! فيمكن أن يظهر متحور جديد يتجنب الأجسام المضادة ـ على سبيل المثال ـ ليضربنا ونصاب، ناهيك أنه بحلول الوقت الذي يخرج فيه أي بلد من هذه الموجة، سيكون كل فرد وجسمه في مناطق مناعية مختلفة جذريًّا، بعضها أقوى، وبعضها أضعف، وبعضها حديث، وبعضها الآخر ربما أكثر ثباتًا! لذلك بلا شك فإن المناعة الجماعية هي مفتاح إنهاء الجائحة، واللبنات الأساسية الخاصة به تبدأ من كل فرد في المجتمع.
ومع ذلك، لا يبدو أن المناعة التي يسببها الفيروس ولا المناعة التي نكتسبها من اللقاح ضد العدوى تستمر لفترة طويلة جدًّا. ومهما يكن، يأمل الخبراء في أن الجرعات الإضافية أو العدوى قد تجعل دفاعاتنا ضد الحالات الخفيفة مستمرة. ولعلَّك تتفق معي هنا أنه ليس من الواضح دائمًا سبب استجابة الأشخاص بشكل مختلف لنفس الفيروسات أو التحصينات، حيث إنك قد تلاحظ أن بعض الأشخاص يولِّد ردود فعل قوية، والبعض الآخر لا يفعل ذلك أبدًا! وبالتالي عندما تظهر المتغيرات الجديدة، فإنها ستكشف مرة أخرى الشقوق التي تفتقر إلى الحماية، وبالطريقة نفسها التي لا يُتوقع من الأفراد الذين لديهم تاريخ تعرض مختلف أن يحققوا نفس مستويات الحماية المناعية. ولعلِّي هنا أقول: سوف يُترك بعض الناس مع بيوت مناعة من القش، وأخرى من الخشب، وأخرى من الطوب، فالفيروس ليس متعادلًا، وحقيقة أنه لم يكن أبدًا!
ومهما يكن، فمع زيادة معدل التحصين والجرعات المعززة ـ مثلا ـ سيتم رفع المناعة في المتوسط، بينما لا يزال بإمكاننا توقع زيادة العدوى مع أي مسار مستقبلي يسلكه الفيروس. ولعلَّها تكون هذه آخر موجة من فيروس كورونا، تنتشر بهذه السرعة المذهلة، ونحصل على فترة من التأجيل... ربما! وحتى لو ظهر متغير جديد يتجنب الأجسام المضادة على الساحة، فهناك ـ بشكْلٍ ما ـ قيود على كيفية تطور هذا الفيروس، خصوصًا وأنه بحلول هذه المرحلة، رأى العديد من أجهزة المناعة ما يكفي لتوقع ما يصيبنا بالفيروس بعد ذلك.
ختامًا، ستظل موجات العدوى المستقبلية تحمل مشاكلها الخاصة. وقد يكون تتبعها أكثر تعقيدًا؛ لأنها غير متزامنة، ولأن تلك الأوبئة ربما ستبدأ وتنتهي في أوقات مختلفة. ناهيك أنه مع انحسار المناعة وتدفقها، ستستمر مصائرنا في الانقسام، على مستوى الأفراد والمجتمعات على حدٍّ سواء. بل وإنه عندما يكون التهديد معديًا، فليست اختلافاتنا المناعية هي التي تحددنا، ولكن الأرضية المشتركة التي نقدمها للفيروس عندما نسمح له بالانتشار!