ناصر بن سالم اليحمدي:
الأفلاج العُمانية لا تُعد مجرد موارد للمياه فقط، بل هي الشرايين التي تسري في جسد الدولة منذ آلاف السنين وعلى امتداد مئات الكيلومترات لتروي الأرض الجرداء وتُحوِّلها لِجنَّة خضراء.. وهي جزء من حياة العُماني وتراثه وحضارته العريقة التي يفخر بها.. فهي التي تمده بالماء الذي يضمن بقاءه ويفي باحتياجاته من شرب واستخدامات أخرى مختلفة.. من هنا استحقت عن جدارة أن تدرج على قائمة التراث العالمي؛ باعتبارها أقدم بناء مؤسسي وتشريعي لإدارة المياه في السلطنة.
للأسف بسبب قلة الأمطار وكثرة استخدام المياه مع تزايد عدد السكان، قلت بمرور الوقت المياه في معظم الأفلاج بالسلطنة رغم أهميتها.. من هنا تتجلَّى أهمية المبادرة التي قام بها أهالي ولاية عبري بمحافظة الظاهرة عندما قاموا بتحويل مشروع الري عن طريق فلجي المبعوث والمفجور ـ اللذين كانا من أغزر الأفلاج في السلطنة ولكنهما توقفا عن الجريان ـ من الطريقة التقليدية إلى طريقة حديثة بتوفير خزانات للمياه تصب فيها مياه الآبار المغذية للفلج، ثم توصيلها بأنابيب تم مدها بطول سواقي الفلج إلى أن تصل إلى المزارع ليتم الري بالطرق الحديثة الموفرة للمياه، وبهذه الطريقة تمت إعادة الحياة للفلجين، وفي ذات الوقت الحيلولة دون هدر المياه والحفاظ عليها من الاستنزاف دون طائل وإيصال المياه لأكثر من 250 قطعة أرض زراعية.
ليت كل ولاية ومحافظة تفكر في طريقة لإعادة الأفلاج مرة أخرى إلى طبيعتها السابقة واستغلال التقنية الحديثة في ذلك.. فهذا البناء الهندسي الفريد معلم تاريخي عريق وإنجاز شيَّده الأجداد يشهد على ذكائهم وعزيمتهم وإرادتهم القوية في مواجهة قسوة الطبيعة، ومن واجب الأبناء تنمية هذا التراث البديع وصيانته ومعالجة مجاري الأفلاج التي أصابها التشوه بفعل العوامل الطبيعية ويد الإهمال من قبل المواطنين الذين يلقون مخلفاتهم فيها.
ونحن نعيش عصر نهضتنا المتجددة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ التي تعمل على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، فإن من واجبنا الحفاظ على تراثنا التليد من الاندثار وإيصاله للأجيال القادمة بكامل رونقه؛ لأن هذا ما يمنح الشعب الوفي سمته المميزة التي تميزه عن بقية شعوب العالم.. فالأفلاج ليست مجرد مجارٍ مائية، بل هي جزء من التراث الأصيل الذي من الواجب الحفاظ على استدامته.. كما أن المياه نعمة كبيرة يجب أن نصونها حتى يديمها الله علينا.
* * *
العلاقة بين السلطنة وأشقائها العرب قوية ومتينة وقائمة على الاحترام المتبادل والمحبة والمودة، ودائما ما كانت تؤازر بلادنا شقيقاتها وتدعمها عند الحاجة بما يصب في تحقيق الأمن والاستقرار لتلك البلاد مع مراعاة عدم التدخل في شئونها الداخلية.. والعلاقات العُمانية ـ المصرية لا يختلف اثنان على متانتها وقوتها وترابطها؛ لأنها ليست وليدة العصر الحديث، بل هي ممتدة عبر آلاف السنين حيث سطرت الحضارات القديمة الكثير من الشواهد على التعاون والتبادل التجاري بين البلدين، وهناك الكثير من المنحوتات الفرعونية القديمة إبان عهد الملكة حتشبسوت وغيرها حفرت عليها البضائع التي كانت تجلبها القوافل العُمانية، خصوصا اللبان الظفاري الذي كان يستخدمه الكهنة في المعابد القديمة.
وجسدت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري مؤخرا الامتداد القوي للعلاقات الوطيدة التي تجمع بين البلدين الشقيقين ليستمر معينها إلى المستقبل بشكل عصري وحديث من خلال تفعيل شراكات بملايين الدولارات في مختلف المجالات لتفتح آفاق التكامل والتعاون بين البلدين بما يعود بالنفع على الشعبين ويحقق ترابطا مستقبليا.. فاللجنة العمانية ـ المصرية المشتركة أقرت عددا من مذكرات التفاهم والبرامج التنفيـذيـة التي تتعلق بالتعاون الثنائي في الكثير من المجالات والتي تحقق طموحات الشعبين في تحقيق المستقبل المشرق.. فمن المعروف أن الأشقاء المصريين يملكون كفاءة بشرية وخبرة طويلة تعطي لأي شراكة معهم أهمية كبرى.. لذلك من الجيد أنه تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم في مجالات المشاورات السياسية والإسكان والتنمية الحضرية والإعلام ومجال القانون والقضاء والسياحة والتربية والتعليم والتجارة والصناعة والعمل والتنمية الاجتماعية، وغيرها من المجالات التي تحقق المزيد من الترابط وتحقق آمال الشعوب.
أدام الله على شعبي البلدين المحبة والمودة وحقق لهما الرفاهية والرخاء والاستقرار.
* * *
احتفل العالم مؤخرا باليوم العالمي للتعليم وسط تحذير من صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" من أن أكثر من 635 مليون طالب وطالبة متضررون من الإغلاق الكامل أو الجزئي للمدارس بسبب جائحة "كوفيد19"، وهو ما يتسبب في فقدان المهارات الأساسية لتعلم الحساب والقراءة والكتابة للكثير منهم، خصوصا في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
نحمد الله أن بلادنا استطاعت أن تتغلب على هذه المشكلة عن طريق التعليم المدمج الذي قامت فيه بإدماج التكنولوجيا الحديثة في التعليم إيمانا بها بأن التطور التكنولوجي المذهل الذي يعيشه عصرنا الحالي يتطلب تطويرا للمنظومة التعليمية حتى تواكب وتلاحق التدفق المعلوماتي الرهيب وبالتالي نستطيع بطلابنا وأجيالنا الصاعدة أن نلحق بركب التقدم .. فقطار المعرفة يسير بسرعة جنونية ويحتاج لآليات خاصة وتقنية عصرية للحاق به ولأسلوب مستحدث في إلقاء المعلومة.
لا شك أن ربط تطور التكنولوجيا بكافة قضايا التنمية يسرع الوصول للأهداف التنموية وتحقيق التنمية الشاملة .. والتعليم الإلكتروني ينشئ جيلا واعيا ممسكا بتلابيب التقنيات الحديثة مواكبا للعالم الخارجي في مختلف المجالات المعرفية والعلمية قادرا على النهوض بمجتمعه وتحمل أعباء البناء.. وفي رأيي أن أبناءنا الطلاب استطاعوا أن يتأقلموا مع الوضع الجديد وصار التعليم عن بُعد بالنسبة لهم لا يقل كفاءة عن التعليم المباشر في المدارس وذلك بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها المسؤولون لإدماج الطلاب في النظام الجديد.
إن التعليم والتنمية وجهان لعملة واحدة.. لذلك نتمنى كل التوفيق للمسؤولين في وزارة التربية والتعليم، ونتمنى لأبنائنا الطلاب النجاح الخلاق الممزوج بروح الإنجاز المفعم بالإيجابية والتفاؤل بالمستقبل المشرق.