أضحت الشراكة بَيْنَ القطاعَيْنِ العام والخاص توجُّهًا حكوميًّا لدى معظم دول المعمورة، فهي أحد المداخل المُهمَّة المطروحة، خصوصًا في مجال تنفيذ مشاريع البنى الأساسية، والتي تُعدُّ من الركائز التي تعتمد عليها الدول، سواء كانت نامية أو تمتلك اقتصادًا متطوِّرًا، في رسم وتنفيذ خطط التنمية المُستدامة، التي تحتاج إلى تمويل كبير تقف معظم الحكومات في الوقت الحالي عاجزةً عن تلبيته في ظلِّ عجز الموازنة الذي تشهده معظم بلدان العالم، لذلك ظهرت في العقود الأخيرة أفكار تسعى إلى جذب رؤوس الأموال المستثمرة للاستثمار في قطاع البنى الأساسية، وبجانب التمويل المطلوب تُشكِّل الشراكة مع القطاع الخاص مدخلًا فريدًا للاستفادة القصوى من مميزات وسمات كُلِّ قطاع، حيث يتمُّ خلال تلك الشراكة الاستفادة من الخبرة المحلِّية للحكومة جنبًا إلى جنب مع الكفاءة الإدارية والتقنية للشركات الخاصة؛ بهدف إكمال المشاريع واسعة النطاق التي تؤثِّر بشكْلٍ كبير على المواطن، كما أنَّ تلك الشراكة دائمًا ما تتجاوز المشاريع المتعاقد عليها، حيث يمتدُّ تأثير هذه الشراكة؛ لأنها تُوجِد الوظائف والخدمات، وتؤدِّي في النهاية إلى المزيد من الأعمال التجارية في الدولة، وتزيد من دوائر رأس المال المستثمرة.
وتتجلَّى أهميَّة الشراكة بَيْنَ القطاعَيْنِ فيما تُحقِّقه مرارًا وتكرارًا في كُلٍّ من الاقتصادات النَّامية والاقتصادات المتطوِّرة، من قيمة كبيرة مقابل الاستثمار المُقدَّم؛ وذلك من خلال الالتزام الكبير في الموازنات التقديرية، والتسليم ضِمْن الإطار الزَّمني المُتَّفق عليه للمشاريع، لذا حرصت السَّلطنة في رؤية "عُمان 2040" على إيجاد صيغة مميزة تتَّسم بالنَّزاهة والشَّفافية في طريقها نَحْوَ إيجاد شراكة مع القطاع الخاص، ونفَّذت لسنوات عديدة برنامجًا ناجحًا جدًّا لمشروعات الشراكة بَيْنَ القطاعَيْنِ العام والخاص في قطاعي الكهرباء والمياه الصَّالحة للشرب. وفي سبيل تحقيق ذلك، صدر قانون الشراكة بَيْنَ القطاعَيْنِ العام والخاص بالمرسوم السلطاني رقم (٥٢/٢٠١٩)، وهو قانون يُنظِّم تلك العلاقة، ويصبغ عليها مزيدًا من الشَّفافية والنَّزاهة التي تنعكس على السِّياسة السِّعريَّة العادلة التي تَصبُّ في صالح الجوانب الاجتماعية. ورغم أنَّ السَّلطنة حرصت على تلك الشراكة منذ انطلاق نهضتها المباركة، إلَّا أنَّ الآونة الأخيرة قد شهدت ترسيخًا وتقنينًا لتلك الشراكة، التي تُعدُّ إحدى الأدوات الرئيسية لرؤية "عُمان 2040".
وفي هذا السياق، جاء الاحتفال بافتتاح مشروع عبري للطَّاقة الشمسية بولاية عبري بمحافظة الظاهرة، وهو أكبر مشروع للطَّاقة المُتجدِّدة في السَّلطنة، وينسجم مع "رؤية عُمان 2040" في استثمار الفُرص المُتاحة وحماية الموارد الطبيعية، والبالغة تكلفته الاستثمارية حوالي 155 مليون ريال عُماني وبسعة 500 ميجاواط، ويُمثِّل المشروع شراكة حقيقيَّة بَيْنَ القطاعَيْنِ العام والخاص، ويُجسِّد قدرة السَّلطنة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث قامت الشركة العُمانية لشراء الطَّاقة والمياه (إحدى شركات مجموعة نماء) بالتعاقد مع مجموعة استثمارية خليجية بقيادة شركة "أكواباور" وبمشاركة مؤسَّسة الخليج للاستثمار وشركة مشاريع الطاقة البديلة لإنشاء وتملُّك وتشغيل هذه المحطَّة، وبجانب الجدوى الاقتصادية.
إنَّ هذا المشروع الطموح سيعمل على توفير الطَّاقة النظيفة بكفاءة لشبكة الكهرباء الرئيسية ليسهم في توفير قيمة اجتماعية واقتصادية ملموسة، بالإضافة إلى مراعاة المحتوى المحلِّي، وإشراك بعض الشركات المحلِّية النَّاشئة في إطار سلسلة الإمداد اللازمة للمشروع، ما يُعظِّم القيمة المُضافة، ويفتح الطَّريق أمام توسيع دائرة الاستثمار، ما سيكون له مردود كبير، كما أنَّ نجاح المشروع سيكون نقطة تحوُّل لانطلاق مشروعات مماثلة أخرى في مجال الطَّاقة المُتجدِّدة، ولا تقتصر جدوى المشروع على الجوانب الاقتصادية فقط، فالمشروع الذي أُنشئ على مساحة 13 مليون متر مربع، ويستخدم حوالي مليون و500 ألف لوح شمسي ثنائي الوجْه، وما يزيد على 7 آلاف كيلومتر من الكابلات، وسيتمكن في ذروة قدرته الإنتاجية من توليد الطَّاقة الكافية لِمَا يقرب من 50 ألف منزل لتزويدها بالكهرباء. إنَّ هذا المشروع الطموح سيُسهم في تخفيف 340 ألف طنٍّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًّا، وهو ما يتواكب مع الاعتماد على الطَّاقة المُتجدِّدة في رؤية "عُمان 2040".