عزيزة الطائية:
النّص السّردي قابل للتطوّر والانفتاح على نصوص أخرى متجانسة
حمود سعود:
لا خوف من التجريب حين يمتلك السارد أدواته ونظرته إلى الكتابة والنص
شريفة التوبية:
محمود السامرائي:
التجريب عملية ضرورية للكاتب وإن لم يفعل ذلك فما هو إلا نسخة مكررة
التجريب ممارسة واعية ورؤية ثقافية ونقدية محسوبة تنهل من ثقافة الأمة
سارة مطر:
لا يمكن أن تربط قوة النص الأدبي لاختيارك أن تكتب فـي منطقة التجريب

■■ مسقط ـ العمانية:
يرى العديد من الروائيين والمهتمين بالجانب السردي، أن التجريب يشكّل خاصية إبداعية مهمة ومشروعة من أجل البحث عمّا هو جديد في تشكيل وصناعة كل ما يتعلق بالخطاب والأدب السردي العربي، من خلال البحث بأكثر شمولية عن تراكيب وأدوات لغوية متقنة وتقنية سردية متفردة. وفي ظل هذا الكمّ النوعي من الخطابات السردية تتباين الآراء وقد تظهر بصور نسبية غير مستقرة، إلا أن الأغلبية من الكتّاب يرى أن يكون الخطاب السردي في وعيه التام، وأن يخرج بالكيفية المتقنة، بالإضافة إلى إيجاد المكانة الحداثية الخاصة به. ثمة تساؤلات حول التجريب في النص السردي الأدبي، ونقول هل أصبح ضرورة في ظل ما يراه البعض بأنه تمكين للغة مُغايرة تدخل على ذات النص أم مجرد إقحام لرؤى شكلية قد تكون ضرورية، وقد تضعف من قوة النص السردي؟ ■■

تقول الدكتورة عزيزة الطائية: بداية في شأن التجريب بالنص السردي، فقد عرفت الآداب العالمية تطورًا كبيرًا ملحوظًا في أنواع السرد من: (الحكاية، والقصة، والأقصوصة، والقصة القصيرة جدًا، والرواية، وروايات السير الذاتية، والمتخيل الذاتي) وغيرها، كما يرى (فيليب لوجون) في سلّمه السّردي، أو مثل ما ذكر (جورج ماي) في مقولة له: (ما أراه رواية، قد تراه رواية سير ذاتية)؛ وهكذا تلتبس أمامنا الأنواع السردية؛ بل ويظهر لنا ما هو تمثيلي”متخيّل وما هو مرجعي” ذاتي كـ(السيرة الذاتية، والمذكرات، واليوميات، والمقال الذاتي، وبورتريهات، وغيرها) ولا يزال الأدب يتطوّر ويتّخذ مسارات، وتتفاعل أجناسه مع تطوّر الحياة ورؤيتها، ويذكر ميخائيل باختين عن الرواية: (أنها النوع الوحيد الذي في طور التكوين، والنوع الذي لم يكتمل بعد).

وتشير الطائية إلى أن هذا يؤكد لنا أنّ الكاتب المبدع لم يعد معنيًّا بالنوع السردي بمقدار ما هو معني بالقضية التي يعالجها في قالب محكم الهيكل، وقوي البنية، ومكثف الصياغة؛ بل يحمل قضية دالة معنية بالالتفات والمعالجة، وتستحق النظر على الصُّعد المجتمعية والإنسانية والوجودية. وتختتم الطائية حديثها بقولها: إذا سلّمنا أنّ النّص السّردي قابل للتطوّر والانفتاح على نصوص أخرى متجانسة معه، يحق للكاتب النهل من معطيات ذلك كله، ليستمر رونق الأدب وتداعياته، وهو ما يؤكد عليه ميشال بوتور في الرواية أنها: (تعبير عن مجتمع متغيّر، ولا تلبث بعدها أن تصبح تعبيرًا عن مجتمع يعي أنه تغيّر).

القاص والروائي العُماني حمود سعود له رؤية خاصة به في شأن التجريب في الخطاب السردي وهنا يقول: “عندما نريد أن نتحدث عن التجريب، علينا أولا أن نحدد ماذا نقصد بالتجريب، وعلى أي مستوى نريد أن نجرب في النص السردي، هل على مستوى الشكل أم المضمون، وقبل الحديث عن التجريب من الضروري جدا أن نستوعب ونفهم ونعي الأجناس الأدبية، وحدود كل جنس أدبي، ومدى إمكانية تداخل هذه الأجناس الأدبية مع بعضها”.يضيف: لأن هذه الملاحظة مهمة وضرورية في البدء عند الحديث عن التجريب. أما قضية التجريب، هل هي ضرورية أم لا، فهذا يعود للكاتب نفسه، كيف ينتظر لتجربته وأسلوبه الكتابي، وهل يفكر بالمتلقي الذي يكتب له؟ ومقدرة هذا الكاتب على ممارسة التجريب في نصوصه.
ويرى حمود سعود أن (التجريب يحدث في متن النصوص، ويصعب التجريب في الشكل الأدبي الذي يلتزم بقواعد معيّنة، وفي رأيي الشخصي، أرى أنه لا خوف من التجريب، حين يمتلك السارد أدواته، ونظرته إلى الكتابة وموضوع النص، ربما ينجح أو يفشل، لا يهم ذلك، ما دامت الكتابة هي محاولات دائمًا، ربما ينجح في النصوص القادمة).
ويختتم قوله: (لا يمكنك أن تلزم كاتبًا بالطريقة التي يكتب بها، بل الكاتب وحده من يبحث عن أسلوبه ويطوّره، ويراجع كل تجربة تخرج للقراء، وبكل تأكيد هذه مهمة النقاد في تشريح وقراءة التجارب).

أما الكاتبة والروائية السعودية سارة مطر فتقول إن: التجريب جزء من الإبداع في الرواية، وحينما تضرب أصابعك العشرة مفاتيح الحاسب الآلي، وتبدأ في البحث عن مفهوم التجريب، ستجد في مقدمة (جوجل) اختصارًا لهذا المفهوم في الأدب، حيث يشير إلى أنه نتيجة وضرورة، ليس في الأدب وحده وإنما في الفن أيضًا، ولا نكون أسرى لكلمة (تجريب) أو معنى التجريب، فكل ما هو قائم ومستمر في الحياة يقوم على التجربة أو التجريب؛ ذلك أن الكتابة الأدبية وسواها من أنواع الكتابة، تمثل في قرارة وجودها ومبررها هذا التحول أو هذا التجريب.

وما إذا التجريب أصبح ضرورة في النص السردي؟ توضح سارة: (يمكنني أن أقول بأن لا شيء في أدب الرواية أو الفنون بشتى أشكالها، ما هو حتمي في اختيار الدخول إلى منطقة التجريب أو الابتعاد عنها، وأعني بذلك أنك لا يمكن أن تربط قوة النص الأدبي لاختيارك أن تكتب في منطقة التجريب أو المفهوم الابستمولوجي، علمًا أن التجريب مرتبط تاريخيًا بتحولات البنية المعرفية، إلى جانب الجمالية في سياق نسق الثقافة الغربية ومركزيتها بخطاب الحداثة، وما يحمله هذا الخطاب كما ذكر من حمولات تاريخية وفلسفية وحضارية).

وفي هذا السياق تتحدّث الكاتبة والروائية شريفة التوبية عن التجريب في النص السردي الأدبي، وتشير إلى أن الأدب أو النصوص السردية مرّت بمراحل كثيرة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، فالأدب الحديث هو نتاج لتلك المراحل، وفي كل مرحلة تكون هناك مقاومة ورفض واستهجان من قِبل النقّاد والمتلقين، وهنا أستطيع القول إن الأدب يسبق النقد في تطوّره، فالناقد يطالب الكاتب أن يظل داخل تلك الأطر المرسومة والقواعد المحددة للنص الأدبي، وإذا تجاوزها فإن ما يقدمه الكاتب لا يعترف به الناقد كعمل أدبي مستوفي الشروط، وهنا تأتي الإشكالية، فالأدب بروحه المتجددة يحتاج من الكاتب إلى بعض من الجرأة والمغامرة، الكتابة لحظة تحليق وكسر للقيود وانعتاق من كل شيء إلا تلك اللحظة التي يعيشها بكل ما أوتي من إبداع وجنون، ومع ذلك لا يمكن أن تأتي هذه المغامرة بشكل عشوائي وغير مدروس.

وتؤكد: (التجريب عملية ضرورية للكاتب، وإن لم يفعل ذلك فما هو إلا نسخة مكررة من غيره، لذا لا أجد أن هناك ما يمنع تجربة لغة جديدة وأسلوب مختلف مُغاير للمألوف، فما الذي يمنع أن آتي بما لم يأتِ به من سبقني، وما الذي يمنع أن أكون أنا حين أكتب وليس غيري، ما الذي يمنع أن ابتكر شيئًا جديدًا بمذاق ونكهة مختلفة، ربما يأتي أفضل عمَّا سبق. ولو تحدّثنا عن الرواية على وجه الخصوص، سنجد أنها تعد فنًا أدبيًا حديثًا، فقد أتت من تلك الحكايات الطويلة التي كانت تُحكى قديمًا، لكنها لم تظهر في وصفها وتصنيفها كرواية، فحتى حكايات ألف ليلة وليلة لم يُطلق عليها رواية، بل كتاب ألف ليلة وليلة، ورغم أن العالم العربي مليء بالحكايات والقصص، ولكن العرب كانوا شعراء ويتباهون بنظم القصائد ويفتخرون بشعرائهم، وإن حكوا حكايات الحروب والبطولات لكن ذلك لا يتعدى في كونه قصصًا وقصائد. وتختتم التوبية حديثها: (قد يكون التجريب مغامرة غير محسوبة وغير مضمونة، ويرفض عملًا أدبيًا اجتهدت فيه، واعتقدت أنك أبدعت في كتابته، لمجرد أنه لا يستوفي شروط النقد أو اشتراطات الناشر، ولكن عليك أن تغامر وأن تجرّب أساليب جديدة، فقد تكون تجربتك الكتابية مدرسة جديدة، لما لا؟ وأنا على ثقة أن العمل الجيد أو النص الجيد يفرض نفسه، والرهان على وعي القارئ وقدرة الكاتب على التميز والإبداع).

أما الكاتب العراقي محمود السامرائي فشير في هذا السياق إلى أن: التجريب السردي (الذي أعتبره غواية كل كاتب ومناه) شكّل منعطفًا مهمًّا في مسيرة الرواية العالمية بشكل عام، قبل أن تنتقل إلى العربية وتحدث تغييرات وانعطافات لافتة في مسيرة الرواية العربية، التي لم تأتِ لتفكيك الكلاسيكية وردمها والبناء على أسسٍ جديدة؛ بل بناء ومضي لتلك المسيرة، وظهرت بوادر في كتابة جديدة للرواية وذلك في منتصف القرن العشرين، محاولين التغيير والمُضي بخطوات واثقة على أيدي طائفة من الكتّاب وخاصة مارسيل بروست الذي مثّل نقطة تحوّل في الرواية، كذلك جيمس جويس وآلان روب، ونتالي ساروت، وكلود سيمون، وميشال بوتور، فمثل هؤلاء نقطة افتراق بين الرواية الجديدة والرواية التقليدية، وعليه فإنّ التجريب نشطٌ وفاعل على مستوى السرد ويمكن أن يطول كل جوانبها ويعبث بها بدءًا من التقنيات السردية وصولاً إلى الموضوع واللغة والأسلوب، وليستقر التجريب بوصفه مفهومًا على أنه الانحراف والخروج والتجدد والتفرّد.

ويؤكد السامرائي قوله: (أنا ككاتب للرواية أسعى دومًا لقراءة الأعمال الجديدة التي تحمل مضامين تجريبية، وفي رأيي أن التجريب ليس وليدَ عشوائيةٍ أو انطباعيةٍ أو رغبة، بل هو نتيجة عملية طويلة في التأمل ودراسة الأعمال الابداعية) وتأسيسًا على ذلك: فانّ التجريب ممارسة واعية ورؤية ثقافية ونقدية محسوبة تنهل من ثقافة الأمة).