د. سعدون بن حسين الحمداني:
تُعد إدارة العلاقات العامة من المفاهيم والنظريات الجوهرية في منظومة العمل، سواء الحكومي أو القطاع الخاص أو المختلط، فهي حلقة الوصل التي تعمل على تعزيز التعاون الإيجابي مع الجمهور الخارجي، وتقوم برسم الصورة الذهنية المثالية عن الجهة أو الدائرة، وتسهم في صياغة ورسم ملامح مستقبلها.
إن من أهم سمات الدبلوماسية هي كيفية الربط بين الخاص والعام بحيث تكون العلاقات العامة هي الوسيلة الجوهرية لذلك، والتي تتمثل في الربط بين الدائرة والمجتمع المحلي من حيث عكس الصورة الإيجابية والمُقنعة لأهداف الدائرة إلى عامة المجتمع المحلي، وبالتالي فإن وظيفة هذه العلاقات العامة تتلخص في الترويج بأبهى صورة عن أهداف الدائرة أو الوزارة أو الجهة التي تنتمي لها كما تفعل الإعلانات التجارية في الترويج عن المنتجات المختلفة، حيث يركز الخبراء في العلاقات العامة على جذب الانتباه نحو الدائرة أو الوزارة بهدف حث الأشخاص على شراء منتج المؤسسة أو الترويج لأفكارها ودعم موقعها.
إن أبرز الاستراتيجيات بين فن الدبلوماسية والعلاقات العامة هو إعطاء صورة لائقة عن المؤسسة أمام المجتمع والمؤسسات الأخرى، وإبداء الاهتمام بالرأي العام على المستويين الداخلي والخارجي، والمشاركة في تقديم المشورة لإدارة المؤسسة أو الجهة الحكومية في حال اتخاذ أي قرار أو سياسة معيَّنة وحماية المؤسسة من خلال إعداد البرامج الاحتياطية التي تجنبها من الوقوع بأي مشاكل والحرص على تكوين علاقات طيبة بين موظفي المؤسسة والإدارة، وجذب الموظفين ذوي المهارات والكفاءات العالية للمؤسسة.
تتبارى مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة إدارة وإتيكيت العلاقات العامة وكيفية ربطها بالإعلام، حيث يُعد التوأم لها والذراع المنفذة لها حصريا، وكيفية التنسيق بوضع التكتيك مع فن الدبلوماسية في تحقيق استراتيجية محددة الأهداف والنتائج والذي يُعد أهم أعمدة النجاح الشخصية منها أو الرسمية سواء في السلك الدبلوماسية أو الحياة العملية، على المستوى العائلي الشخصي أو على مستوى الوفود وكبار الشخصيات وفي كافة المناسبات. وكيف يتبارون في رسم فقرات العلاقات العامة في الحياة اليومية والنتائج المرجوة منا، سواء مع كبار الشخصيات والوفود الرسمية أو في الأنشطة الرسمية أو غير الرسمية والفردية منها أو تجمع أشخاص في مناسبة خاصة، حيث أكدت المدارس الدبلوماسية تأثير العلاقات العامة ووسيلة الاتصال ونوعها على نفسية الأشخاص وسلوكهم. وكانت نظريات علم النفس والاجتماع وعلم الإدارة والعلوم السياسية تقوم بدورٍ مهمٍّ في وضع استراتيجيات هذا النوع من الإتيكيت؛ لأنه يدخل ضمن تصرف الدبلوماسي الناجح، سواء بلغة الجسد أو الكلام وهو أحد أقسام نجاح العلاقات العامة ضمن فصول ومعالم الدبلوماسية.
العالم إدوارد بيرنز (أبو العلاقات العامة) يقول إن العنصر المهم في عمليات العلاقات العامة هو القدرة على الإقناع والتأثير والتوجيه، الذي سيترتب عليه هذا الطرح الجديد المقدم، إذ إنني أعتبر أن أول قضية علاقات عامة بدأت مع أبينا آدم عليه السلام وعلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء أفضل الصلاة والتسليم، وكيفية إقناع عامة الناس بما يحملون من رسائل ربانية، فمنهم من اقتنع، ومنهم من ارتدَّ بسبب عدم اقتناعه.
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فقد قامت العلاقات العامة بدورٍ مهمٍّ في نشر الرسالة السماوية، ووضعت هذه الصفة في بروتوكول وإتيكيت شخصية الدبلوماسي الناجح الذي يعد علاقاته العامة من أهم هوياته.
قال تعالى: "...وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ.." (آية 159 سورة آل عمران) وهي أحد أسس التعامل في العلاقات العامة وهذه للرسول الكريم، ونأخذ منها درسًا بليغًا في طبيعة التعامل مع الآخرين، على أن نكون بقلب طيب مملوء بالمحبة والتسامح والصدق والمشاعر، فيخاطب الله تعالى نبيه قائلًا: ولو لم تكن كذلك يا محمد لتركوك وحدك وفشلت في نشر ما أُنزل إليك، ولكن هذه الصفة الطيبة جعلت الناس يرغبون بالاستماع لك ويفهمون ما أُنزل من الله سبحانه والتعامل بهذه الطريقة والصفة توسعت رقعة العلاقات العامة" .
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمتَّع بفراسة عظيمة في اختيار الرجال، ومعرفة كبيرة لذوي الكفاءات من أصحابه، فكان يختار لكلِّ مهمة مَن يُناسِبها، فيختار للقيادة مَن يجمع بين سَداد الرأي وحُسْن التصرف والشجاعة، ويختار للدعوة والتعليم مَن يجمع بين غزارة العلم ودَماثة الخُلُق، والمهارة في اجتذاب الناس ويختار للوِفادة على الملوك والأمراء مَن يجمع بين حُسْن المظهر وفصاحة اللسان وسُرعة البديهة، وهذه هي سمات العلاقات العامة في كل المواضع الاجتماعية، وتأكيد التفاهم والتعاون، وانتفاع كلِّ أمة بما لدى الأمم الأخرى من مُنجَزات وثقافات.
وفي الختام، فإن المحافظة على هذه الصفة هي من علامات النجاح والتفوق في الحياة اليومية والعملية، سواء الشخصية منها أو الرسمية، الفردية منها أو الجماعية، وبالتالي علينا التمعن فيها، فبدلا من الانقياد خلف المدارس والنظريات الأجنبية في تعليم هذه الخاصية، نرى أن تعاليم الدعوة الإسلامية والسيرة النبوية ثرية بهذه الصفة "العلاقات العامة" التي هي أحد مقومات النجاح والتفوق والتميز لدى الشخص والمجتمع على المستوى الفردي أو الرسمي للدولة.