[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
”لا يمكن توجيه التهم للتعاليم السماوية الصحيحة للأديان كالإسلام واليهودية والمسيحية فيما يحدث من صراع على خلفية الامتدادات المشوهة لتعاليمها العظيمة، وفي هذا السياق يقول الأستاذ الأميركي المنصف بول فندلي، وهو عضو سابق في الكونجرس الأميركي: إنني آبى مقارنة الأديان , إذ إن الأديان كلها حسنة، والله خير،”

ــــــــــــ
يبدو أن الهوة الكبيرة بين الشرق والغرب تزداد اتساعا مع مرور الوقت والزمن، فبالرغم من كل الجهود الطيبة المبذولة لردمها من قبل العديد من العلماء والأساتذة والمفكرين من كلا الطرفين، إلا أن ذلك الفتق التاريخي كما يظهر، اكبر بكثير من مجرد اختلافات في وجهات النظر، أو أعراض جانبية تظهر بين الحين والآخر، بسبب استحضار بعض الموروثات الثقافية الغابرة، أو بسبب الأحقاد والمخاوف التي تعرض لها الطرفان، كل بحسب وجهة نظره، وعملت على إعادة ترسيخها في السيكولوجيات الجماعية الراهنة، وان كانت بكل تأكيد هي جزء مهم من الصراع المحتدم بين الشرق والغرب منذ أمد طويل.
وقد تناول هذا الخلل الحاصل في الصورة الحضارية التي ينظر من خلالها الطرفان إلى بعضهما، عدد كبير من المفكرين والمؤرخين العالميين، كان من أبرزهم الأستاذ في جامعة هارفارد الأميركية صاموئيل هنتينجتون، صاحب نظرية صدام الحضارات، والذي حصر ذلك الصراع في ستة أسباب فرعية، ومحورين رئيسيين هما الأيديولوجيات الثقافية والجيوبوليتيكيا أو الجغرافيا السياسية، وهي فكرة تعتمد على أن أساس النزاعات الرئيسية القادمة بين الحضارات ستكون على امتداد خطوط التقسيم الثقافية التي تفصل بينها من جهة، والتنافس الاقتصادي والصراع السياسي والعسكري ومدى السيطرة على المؤسسات الدولية، إضافة الى ترويج القيم السياسية والدينية الخاصة من جهة أخرى، وهو ما يجعل من اتساع التباين في الآراء والأفكار والغايات والأهداف يطفو ويظهر بوضوح في تلك العلاقة الحتمية التاريخية بين أطراف الصراع الحضاري.
وقد فجرت، وللأسف، أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 م، ما تبقى من عوامل رتق ذلك الفتق الحضاري بين الشرق العائد بقوة إلى الواجهة الحضارية والدولية، والغرب الخائف على مكانته من التراجع والانهيار في ظل ذلك الاتساع الإسلامي، وهي حقيقة تناولها بالتحقيق والتدقيق والتحليل العديد من المؤرخين الكبار، كالكسيس كاريل في كتابه الإنسان ذلك المجهول، والروائي الروسي سولجنتسين، وعالم النفس الأميركي اريك فروم، والمفكر الفرنسي ديياسكييه، والمؤرخ الانجليزي ارنولد توينبي، والذي حاول هذا الأخير من خلال مؤلف ضخم أن يمنهج لعوامل العظمة والقوة والانحطاط والتراجع في الحضارات الكبرى، واختص من بينها الحضارة الغربية التي توقع لها الموت أو على اقل تقدير مستقبل قاتم.
فيما تتزايد المخاوف من اتساع رقعة المارد الإسلامي في الغرب، لدرجة السعي لمواجهته واحتوائه بمختلف الوسائل والأساليب الممكنة، كالوسائل الأيديولوجية - الدينية والثقافية والإعلامية منها 00 الخ -، والسياسية والعسكرية والاقتصادية، بالغزو والاحتلال والتبعية بأنواعها وأشكالها، وفي هذا السياق يقول موروبيرجر في كتابه العالم العربي المعاصر: إن انتشار الإسلام كان يقض مضاجع عتاة الاستعمار منذ القرن التاسع عشر والى يومنا هذا، كما يؤكد هذه المخاوف انطوني ناتنج في كتابه الغرب، فيقول: منذ أن جمع محمد "صلى الله عليه وسلم" أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي، وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي، فإنه بات على العالم الغربي أن يحسب الإسلام كقوة دائمة وصلبة، تواجهنا - أي نحن أبناء - الحضارة الغربية عبر البحر المتوسط. وهو ما جعل من حملات التشويه للحضارة الإسلامية وقواعد بنائها وعظمتها وقوتها جزءا من ذلك الصراع الحضاري التاريخي، والذي تزايد بشكل لافت للنظر خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وان كانت جذوره في حقيقة الأمر تمتد إلى قرون سابقة، وحتى نكون دقيقين في شرح أصول هذا الصراع الحضاري الحديث، كان لزاما أن نوضح بعض النقاط المهمة قبل الانسياق فيما نتطلع إلى توضيحه، وأولها ضرورة حصر هذا الصراع بين الحضارات الإنسانية وليس الديانات السماوية.
بمعنى آخر، لا يمكن توجيه التهم للتعاليم السماوية الصحيحة للأديان كالإسلام واليهودية والمسيحية فيما يحدث من صراع على خلفية الامتدادات المشوهة لتعاليمها العظيمة، وفي هذا السياق يقول الأستاذ الأميركي المنصف بول فندلي، وهو عضو سابق في الكونجرس الأميركي: إنني آبى مقارنة الأديان، إذ إن الأديان كلها حسنة، والله خير، ومع ذلك يبدو أن الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية تتعرض للتحريف أكثر مما تتعرض له الأحاديث النبوية، وكان تأثير ما اسميه بالنصوص الثانوية على الفكر المسيحي في القرن الثامن عشر، اكبر بكثير من تأثير النصوص الإسلامية المشار إليها على المجتمع الإسلامي في الأزمنة الحديثة.
ثانيا: ضرورة ألاَ ينظر إلى ذلك الصراع بشكل رئيسي من خلال تصرفات بعض الأفراد والمؤسسات والدول، على أساس أنها محسوبة على تلك الديانات السماوية العظيمة، أو أنها امتداد أو انعكاس لتعاليمها السماوية الطاهرة، فليس بالضرورة أن تمثل بعض تلك التصرفات الشخصية المريضة للبعض صورة لتعاليم دينه، وإنما هي محسوبة من وجهة نظره الشخصية القاصرة، ولغة نفسه الحاقدة على الآخر.
فكما يوجد في الغرب من ينظر إلى الشرق نظرة استهجان وحقد وعنصرية، فكذلك في الشرق تتضح تلك الصورة في كثير من الأحيان، ولكن في الجهة المقابلة، هناك من ينظر إلى الإسلام وحضارته باحترام وتقدير وإنصاف، والعكس صحيح، وفي هذا السياق الأخير، نطالع هذه الصورة الطيبة من خلال خطاب متلفز ألقاه الأمير تشارلز بجامعة اوكسفورد في العام 1993 م، وهو وريث العرش البريطاني، والذي يجعله منصبه هذا رئيسا فخريا لكنيسة انجلترا، حيث قال: يمكن للإسلام أن يعلمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته.
المهم في الأمر، ضرورة نبذ التعميمات النظرية القاصرة على كل شيء، بداية من وجهات نظر الدول ومرورا بالتجمعات الدينية والثقافية والسياسية، وليس انتهاء بالأفكار الفردية الشاذة، وان كنا بالطبع لا نقزم من حجم المخاطر المحيطة بنا كشرق وغرب، والمحسوبة على عدد من الدول والجماعات والتجمعات والأفراد في كلا الطرفين، فهناك كما يعلم الكثيرون عددا كبيرا من التجمعات الدولية الناشئة، أو الصِداميون ( دعاة صدام الحضارات)، تحاول لملمة تلك الموروثات الثقافية الدفينة، لإعادة رسم الخارطة الحضارية للعالم، بحسب رؤيتها الشخصية المريضة، إلى تعاليم الأديان والتطلعات الحضارية من جهة، وأطماعها الجيواستراتيجية في العالم من جهة أخرى، كما حدث وما زال يتكرر بين الحين والآخر من قبل بعض الانتهازيين والاستغلاليين والمرضى النفسيين والمنتفعين من الفوضى، تجاه الإسلام والقرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما سبق واشرنا.
وليس ذلك سوى بهدف إثارة الفتن والحروب، وزيادة الكراهية والحقد بين الحضارات والدول والشعوب، في مختلف أرجاء الأرض، واغلب الغايات من ذلك تدور في نطاق ضيق، لا يتجاوز المصالح الشخصية المادية منها والسياسية والاقتصادية، فيما يتمحور الآخر، حول الأمراض النفسية الناتجة عن الحقد والحسد والكراهية، وسنوات من تراكم الموروثات الثقافية المشوهة عن الآخر.
وانطلاقا مما سبق فإننا نستطيع أن نؤكد بأنه ومنذ الحملة التشويهية المنحرفة، والتي قامت بها وما زالت، ومن المؤكد بأنها ستتكرر في ظل وجود الشر في هذا العالم، عدد من الصحف الدانمركية الصفراء السادية، وساندها فيها عدد من الدول والمؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة في الغرب منذ مطلع العام 2001 م ، وتكررت في السنوات 2005 و 2006 و 2008 بشكل منهجي مقصود، وتحت شعارات خاوية كالحرية الصحفية والديمقراطيات وغيرها من الشعارات الجوفاء، وما حدث قبل ايام من قبل بعض الصحف الفرنسية في نفس السياق ونتج عنه خسائر في الارواح والممتلكات لا تتعدى كونها سلوكيات انتهازية حضارية شخصية، برزت في وقت ينظر فيه إلى الشرق بشكل عام والإسلام على وجه الخصوص، نظرة ضعف وترهل وتراجع حضاري وقيادي.
لذا فإن اقرب التحليلات النفسية - من وجهة نظرنا الشخصية - إلى هذه التصرفات المنحرفة، والتي لا نستطيع أن نعممها على الغرب كحضارة وأفراد، وان تشارك في تلك الحملة القذرة على اشرف خلق الله وخاتم أنبيائه، محمد صلى الله عليه وسلم، ورموز الامة من الصحابة رضي الله عنهم ما يمكن أن نطلق عليه بالتجمع الانتهازي الإعلامي الغربي، الساعي إلى الظهور الإعلامي، والانتفاع الشخصي، متجاوزا بتلك التصرفات جل الصفات والسلوكيات والتعاليم الدينية والحضارية والأخلاقية والإنسانية والقانونية، هو ما اشرنا إليه في مفهوم الانتهازية الحضارية، فنجد أن تلك الحملات القذرة الشخصية أحيانا، والمشتركة أحيانا أخرى، على الإسلام والقران الكريم وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم هي نتاج فهم شخصي مغلوط عن الدين الإسلامي وحضارته وثقافته لدى بعض الأفراد والجماعات الفكرية، وتخوف كامن في نفوسهم الجزعة من اختراق تعاليم القرآن الكريم للجاهلية الغربية التي صورها الكثيرين على أساس إنها نهاية التاريخ والحضارات الإنسانية، واستهداف لمصالحهم الاستراتيجية السياسية منها والاقتصادية، وان هذا الكتاب - أي القران الكريم ـ هو الحاجز المنيع دون اختراق الشرق "كفكر وثقافة وثروات" كما يشير إلى ذلك غلادستون بقوله: ما دام هذا القران موجودا، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان كما رأينا.
وعليه فإن أفضل سلوك حضاري يرقى بمكانة هذا الدين العظيم، يمكن أن نواجه به هذه الحملة البربرية الانتهازية الاستفزازية الموجهة لشخص خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم، هو الاحتواء السياسي والإعلامي، وبمعنى آخر العمل على التدخل في تطويع وإصلاح ذلك السلوك من خلال السياسية والدبلوماسية والاقتصادية من جهة، وذلك بهدف توضيح الصورة الحقيقية لمكانة هذا النبي لدى المسلمين، ومدى ما يمكن أن يترتب في حال تم الاعتداء على شخصه بالإساءة والتشويه، وما يمكن أن يواجهه الطرف المعتدي من غضب رسمي وشعبي.
أما من جهة أخرى، فإنه بات من الضرورة أن يواجه ذلك التشويه للإسلام ورموزه، بخلق حملة إعلامية مضادة لتوضيح الصورة المغلوطة تجاه الدين الإسلامي والقرآن الكريم وشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يتشارك فيها العلماء والمفكرين والمثقفين، دون الانحطاط إلى سلك نفس التصرفات الرجعية، وذلك بالاعتداء على الأديان ورموزها الدينية والإنسانية، وإلا فما الفرق بين تصرفات من يدعي الحضارة والتمدن في ظل تعاليم دينه، ونظرته الى من يتصور انه يتلبس رداء الانحطاط والتخلف والرجعية.