مسقط -العُمانية:
عندما يذهب البصر، تتوقد البصيرة، وترسمُ ملامح أخرى للحياة بصورة أكثر إشراقًا وجمالًا، هذا ما كُتب لرائد الفارسي أن يكون في نطاقه، فهو ذلك الموسيقي المُبصر بالروح قبل البصر، والقريب من أنغامها وتنوع نوتاتها التي طالما أوجدت ألحانًا عرفها من تتبع إبداعه وحكايات أنامله.

في هذا التطواف نمر بأحد الذين أوجدوا مساحة لهم في عالم الفن والموسيقى، إنه رائد الفارسي، الموزع الموسيقي الذي فقد بصره وهو طفل صغير في أيامه الأولى مع الحياة، أحبّ الموسيقى واتخذ من التوزيع الموسيقي وظيفة موسيقية له، شارك في جملة من الأعمال التي يفتخر بها ويتحدث عنها بشغف بين حين وآخر، آخرها المشاركة في يوم شرطة عُمان السلطانية الخامس من يناير/2022 بأوبريت /المجد العظيم/، كما أنه أنهى توزيع لحن لأغنية (أنا مال تواصل) لفرقة تواصل المسرحية تم عرضها في تدشين فعاليات أيام تواصل المسرحية التي اختتمت مؤخرًا.

وفي سياق الإبداع وتجلياته وفي حديث أقرب إلى العفوية يقول الفنان الموسيقي العُماني رائد الفارسي لوكالة الأنباء العُمانية: من عمق الظلام ساورتني أحلام النور، ترجمت بصيرتي لأتلمس من خلالها روح الموسيقى، وأنسج أعذب الألحان بآلات اعتادت عليها جوارحي وألفتها روحي، أجسدها مادة مسموعة ينصت إليها المغتربون لتنبض قلوبهم بمعاني الأمل لعل السيّارة يذهبون بهم لأوطانهم هذه المرة، ولأولئك الذين لا يُجيدون استخدام الأحرف ويفضلون التعبير بلغة النوتات.

يقترب رائد من أهم أعماله التي لا تزال عالقة في الذاكرة وكانت نهجًا يضيف إلى مسار حياته الموسيقية، ويقول: شاركت في أعمال وطنية لها طابع فني، أهمها في الأيام الوطنية مثل(دوك يا عُمان)، (نحبك يا عُمان) بالإضافة إلى عدد من المسلسلات التلفزيونية مثل (ورد وشوك) ومسلسل (اليرام) ومسلسلات إذاعية وتلفزيونية مثل (رحلة السندباد الثامنة) و(عجائب الهند)، كما شاركت في برامج الفوازير (الرحلة)، وبرنامج (من السواحل)، الذي يسلط الضوء على التواجد العُماني في زنجبار، بالإضافة إلى أعمال إذاعية متنوعة، وبعض الأوبريتات الخاصة بوزارة التربية والتعليم.

وأردف: قمت بعمل موسيقى تصويرية خاصة بمناسبة افتتاح جمعية هواة العود وألفتُ موسيقى تصويرية خاصة بالأفلام الوثائقية العُمانية: مثل (عُمان أرض الجمال) و(الصيد في عُمان)، بالإضافة لتأليفي لموسيقى لفيلم (الأستاذ) الذي يتحدث عن سيرة الشاعر والأديب عبد القادر الجيلاني.

ولكون الغربة جزءًا لا يتجزأ من حياة الفنان الموسيقي رائد الفارسي ولا ينفصل عن حياته الأولى فكانت خير معلم إذ وجهتهُ للانضباط مرَّةً والاعتماد على النفس تارة أخرى، وفي كل مرحلة يعبرها تردد الحياة تعاليمها فجعلته يسعى لبناء ذاته ومستقبله، وهناك لمحة من الطفولة لا تغيب عن ذاكرة الفنان، وهي لحظة وداعه أسرته وهو في سن صغيرة من أجل الالتحاق بركب الحياة طالبًا إياه علمًا نافعًا، وعندما عاد لأرض الوطن التحق بجامعة السلطان قابوس ليكون أول كفيف يدخل الجامعة، ولم يكتفِ بذلك بل واصل نهله للعلم حتى حصل على الدكتوراه في مناهج وطرق التدريس، ليوظف كل هذا في مهنته كمعلم في جمعية نور للمكفوفين.

مسيرة رائد لم تكن خالية من الناس الذين قدموا له الدعم ومنهم الفنان والملحن فتحي بن محسن البلوشي رئيس جمعية هواة العود (سابقًا)، حيث لجأ له في الأمور الموسيقية وأخذَ رأيه ونصيحته، والملحن السيد شبيب بن المرداس البوسعيدي والراحل خميس الشرجي، ومنهم من ألهمه على الصعيد الفني وأهمهم الراحل عمار الشريعي الذي أعجبه طموحه وعمله في المجال الموسيقي.

الفن يعتمد على الخيال، والموسيقى بشكل خاص تعتمد على حاسة السمع لأنه فن إيقاعي، وإذا اجتمع مع الإنسان الشغف والخيال والجانب السمعي بالإضافة إلى التشجيع سيصبح علامة فارقة في عالم الموسيقى، وهذا ما اجتمع في شخصية الفارسي الذي استخدم بصيرته أداةً لتقوده لعالم الفن والإبداع.
وكحال أي قصة نجاح لم تكن رحلة رائد خالية من الصعوبات، فالتعامل مع البرامج التي تدعمه موسيقيًا كان يحتاج لحاسة البصر كونها تعتمد على شاشة القراءة، وهي غير مهيأة للمكفوفين وهذا ما قاده للاستعانة بالأصدقاء والمحبين لكي يقوموا بإدارة البرامج ليتمكن من التوزيع الموسيقي.

أما في مجال الحياة فكانت الغربة التي عاشها رائد في طفولته كفيلة لتكون الصدمة الأكبر والتحدي الأول له، كما واجهته بعض العقبات في مساره الدراسي فسابقًا لم تُدعم المواد بمنهج برايل الخاص بالمكفوفين، ما جعله يلجأ للتسجيل وهذا يأخذ وقتًا طويلًا ولا يتناسب مع تنظيم طريقة دراسة المادة العلمية.

بعد ذلك السرد الذي لا يخلو من روح التحدي بيّن الفارسي أنه يطمح لمواصلة مساره الموسيقي وأن يجعل من قصة نجاحه مرجع إلهامٍ لغيره من المؤمنين بذواتهم ممن يريدون العيش في الحياة بشغف.