سامي السيابي:
تقوم التربية الإسلامية بدور عظيم في تغيير أنماط السلوك، وإرجاع الأخلاقيات التي حادت عن الطريق المستقيم، فهي كغيرها تترجم عن ذاتها، مستخدمة الوسيلة التي تمكنها من تجسيد السلوك في الناس، بل ترقى بتطبيقاتهم للعروج إلى شم المستويات، ونحن نعيش صراعا قيميا واسعا، رمت به العصرية المعقدة إلى حد التشابك، لزم التعرف على معطيات الإسلام التربوية التي تحد من تلك الصراعات، وتثبت الأقدام، وتتجه بالبوصلة نحو تحقيق الأهداف والمقاصد إلى الأخلاق الإسلامية الصحيحة.
والوسيلة جمع وسائل، وهي مجموعة إجراءات متوافقة مع الشريعة الإسلامية تقوم بتحقيق الهدف التربوي، وعلى هذا فإن الإسلام لا يعارض النظريات التربوية والنفسية المعاصرة، طالما توافقت مع تعاليمه، وتكاملت مع غاياته، المتمثلة في سعادة البشرية في الدنيا والآخرة وتحقيق رضوان الله تبارك وتعالى، فاتفاق الغايات والوسائل هو الأصل، ويقدّر المجتهد الاستثناءات مستعملًا الذريعة فتحًا أو سدًّا، لتحقيق المصلحة التربوية، وإليكما طرفًا من تلك الوسائل:
1ـ العبادة: تتضمن العبادة التربية الجسدية والاجتماعية والخلقية، وهي تربط الإنسان بالله وهو المصدر الخلقي الرفيع، ومن ارتبط بصاحب الخلق صار خلوقا، ونأت نفسه عن ما سوى ذلك، وجميع العبادات موصلة للتقوى التي هي ثمرة الأخلاق، ولنتدبر غياب وسيلة الصلاة وأثرها المتوقع:(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ) ونتيجة ترك الصلاة تدني الأخلاق(وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، ومن المفهوم المخالف أن الصلاة هي رباط المسلم عن الشهوات، فالصلاة تربي في النفس الصبر على الطاعة والصبر على البعد عن المعاصي، وتربي على المثابرة لفعل الخيرات، وتربي على اتزان العقلية وترسيخ النظام الحياتي، وحفظ المواعيد، والإحساس بقيمة الوقت، وفيها التضامن مع المجتمع والتعايش مع الأقران، وغيرها من القيم الحميدة، ولذلك أوصى النبي المربي المربين بتعليم الأولاد الصلاة في سن مبكر، لأنها تذخر بكم هائل من المعاني الأخلاقية الباطنة التي تنبت رويدا في التربة البكر.
2ـ النصح: والتواصي بالصبر والحق، ففيه صيانة الحياة من شرورها وفسادها، وتنمية للقيم والمبادئ، (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (آل عمران ـ 110)، وبترك هذه الوسيلة تنتقض الأخلاق وتسود المفاسد (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) (هود ـ 116)، وقد أضفت على ما يتلوه عاقدو عقد النكاح عبارة (... وعلى الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ليكون ذلك حقًّا مصونًا من أول المشوار الذي يصاحب تكوين الأسرة وتربية الأولاد مستقبلًا.
ويجدر معرفة جوانب مهمة تعين المربين على تفعيل جانب النصح، تستلهم من نصح لقمان الحكيم لابنه:
ـ أن يكون الله هو مصدر الأخلاق، بالإيمان به، واتباع شرعه، والإخلاص له وحده، بمعنى أن تكون مصدر الأخلاق القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي ربى عظيم الأخلاق الصلاة والسلام.
ـ اتباع منهج القصد والاعتدال في التربية، وفيما نربيه فيه، فلا غلو ولا تطرف ولا تفريط.ـ ليس بالضرورة أن تكون النصيحة كلمات نلقنها أذن المربي، فقد تأتي على أشكال أخرى، كما سيأتي:
(أ)عرض الأمثال: من شأن الأمثال أنها تفعّل مكنة العقل وروح العاطفة للتحلية بالقيم والتخلية من المساوئ، إن استغلت بالحكمة، وقد أبرزها القرآن الكريم (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت ـ 43)، وتمر في قطار الحياة محطات كثيرة للمربي أن يرف منها العبر والحكمة والعظات، بجانب الأمثال المذكورة في القرآن الكريم، لتربية الإنسان تربية روحية وخلقية وعقلية.
(ب)القدوة: بأن يكون المربي أو الموجه أو الداعي مثالا يحتذى به في كل تصرفاته، اقتداء بالأنبياء على الناس، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (الممتحنة ـ 6)، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب ـ 21)،وليدع المربي أفعاله تحكم عليه، لتنعكس على المقتدين به، ورب تصرف صامت أبغ من مقولات مطولة، (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚأَفَلَا تَعْقِلُونَ) (البقرة ـ 44)، فمن كان في منبر القدوة فلينتبه إلى:
ـ عقله: من حيث الفطنة والنظر لعواقب الأمور وصالحها، وحسن السياسة والتدبير، وديمومة طلب العلم وإنارة الفكر، والاطلاع والقراءة، والبحث عن المعرفة، فكل ذلك ينعكس على المربين.
ـ أخلاقه: من حيث الكرم، والشجاعة والنجدة، والحياء والإغضاء، وحسن العشرة والأدب والتسامح واللين، وبسط الخلق مع الناس، والشفقة والرحمة لمخلوقات الله، والوفاء بالعهد وصلة الرحم، والتواضع، والعدل والأمانة والعفة، وصدق القول والفعل، والوقار والتؤدة والمروءة والهدى والرفق، والخوف من الله ومحبته وطاعته وعبادته.
3 ـ التربية العملية والتربية بالواقع: أي الإثبات بالبراهين العملية والتجارب الفعلية، وهذا ما ظهر في العديد من مواقف الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان يحرص على ترجمة الإيمان إلى سلوك، وكان يحرص على إيصال ذلك للآخرين ممن سمعوا منه، وكان (عليه الصلاة والسلام)يغتم المواقف التي تحتاج توجيهًا تربويًا أو عمليًا إلى درس ينتفع منه المسلمون، فكان يستغل الواقع المشاهد ليدعو من خلاله إلى قيمة، أو تصحيح سلوك، أو نفيه، فالتربية ليست مجرد تحفيظ أو تسميع، ولتفعيل هذا الأسلوب يراعى: الوقوع في موقف ما، اجتماعي أو إنساني، أو غيره، وإثارة قوى الشخصية الانفعالية أو العقلية بكافة الأساليب المتاحة: السؤال، الاعتراض، الاستنكار.. وألا يترك الواقع في الموقف بلا حل أنسب للموقف.
4 ـ القصة: استخدمها القرآن الكريم، لتربية نبيه، ولتربية الناس، واستخدمها الرسول الكريم لتربية آله وأصحابه، وللقصص تأثير قوي ومباشر على المتلقي، إن اختلفت بعرضها عن طريقة الحكواتيين، والأمثل في تقديمها كما قدمها الله تبارك وتعالى، وهي مصحوبة بالإيمانيات والأخلاقيات والفكر والتوجيه واستخلاص الحكمة والموعظة والعبرة والأسلوب البلاغي، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (يوسف ـ 3).
5 ـ الحوار: وهذه من الأساليب التربوية المقنعة، وإن صح الإقناع صحت الاستجابة، فقد حاور القرآن المشركين، والملحدين، وأهل الكتاب، والناس، من خلال الأسئلة المطروحة على الرسول، وكذا دأب الرسول في محاورة الآخرين، بحيث لا يدع الإجابة إلا شافية، بدون ترك حرج أو إثارة جهل، بالإجابة على كل جوانب الموضوع المسؤول عنه.
6 ـ الغمس في البيئة الصالحة: هي وسيلة كسب تحدث بالعدوى الإيجابية، فتنتقل من خلالها أخلاق الجماعة الصالحة للفرد، فيأخذ من أخلاقهم وعاداتهم وسلوكهم بالمحاكاة والتقليد التلقائي، مراعاة للتقدير والمحبة والتعايش، وكسب الثناء، والمنافسة، وتجنب مصادمة القوة الجماعية السائدة، فيمتنع كثير من الأفراد عن شهوات ملحة، وأهواء يتطلعون عليها، مخافة العقاب المجتمعي من هجر وقطيعة وتلويم وتحقير ومذمة، فهذا ما يعرف بالضغط الاجتماعي من قبل المجتمع المسلم،فللمجتمع سلطة معنوية باطنة وفعالة تؤثر على النفوس.
7 ـ سلطة الدولة: كل سلطة مسلمة مسؤولة في مهمتها بوضع الأنظمة الملزمة بالمنهج الأخلاقي الرباني، الرادعة للمخالف والمشجعة للمتحلي بها، واتخاذ مختلف الوسائل النافعة التوجيهية والتربوية لحماية الأخلاق وصيانتها،وجعل لها سلطة رقابية يقظة، تحمي الوطن وأفراده ومجتمعه من الشذوذ والإلحاد والفسوق والعصيان.
* كاتب عماني