عرض ـ حسام محمود
زخرت حياة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس بالعديد من الأحداث والمحطات التي كونت نجاحه وأدبه الرائع ، بداية من قصة زواجه العجيبة وبدايات طريق كفاحه ، والعجائب التي خالطت أصوله العائلية ، كما عانى الكاتب الكبير من لحظات عصيبة من اعتقال وأحزان فراق والدته "روز اليوسف" ، لكنه ما لبث ان تغلب على كل العقبات ليبهرنا بروائع القصص التى أثرت الأدب العربى ، كما كان له نصيب من النقد الفنى الذى أحاط بنجوم الفن ، وبالمثل تحدث عنه اصدقاء عمره ليوصفوا أعماله ومشواره الفنى الثرى بالاعمال القيمة ، ورغم ما عاناه فى عمله بسبب أبنائه الا ان ذلك لم يغير من قوة الروابط الأسرية ، ولم تقلل من انبهارهم بشخصية أبيهم ومشواره حتى سرد الكاتب محمد عبد القدوس ابن الكاتب الكبير احداث تلك الحياة الزاخرة بالعطاء ، لتكون تذكره مبسطة لمشوار فنى عميق وعلامة بارزه فى الأدب العربى هذا ما أورده كتاب "حكايات إحسان عبد القدوس.
كتاباته عن المرأة
يعد إحسان عبد القدوس من أفضل الكتّاب الذين ناقشوا قضايا المرأة في العالم العربى ، ويرى الكاتب أن الأديب الكبير كان يفهم شعور المرأة ودقائق أحاسيسها بطريقة لم يسبقه اليها أحد ، وأدى ذلك إلى شعبية جارفة للكاتب فى الأوساط النسائية ، وبالرغم من ذلك بقيت زوجته ملكة متوجة على عرش قلبه ، فقد لاقى صعوبات عده فى طريق زواجه ، لكن إصراره وزوجته معا مكنهما من النجاح وفرض حبهما على الأسرتين ، وفى بداية حياته سنحت له الفرصة كى يتضاعف دخله ، اذا ما غادر مؤسسة "روز اليوسف" وانضم إلى العمل مع الكاتب محمد التابعي ، وبالفعل عمل إحسان عبد القدوس فتره مع الكاتب العملاق ، حتى ثارت الأم "فاطمة اليوسف" ليعود إحسان عبد القدوس الى بيته الحقيقي فى "روز اليوسف" ، ويضيف الكاتب انه لاقى مشقة كبيرة فى إثبات موهبته فى مجلة والدته، التي كان ينسب إليها كل نجاح يصنعه، وان اخفق نعتوه بابن الست ، وتكرر الأمر مع ابنه كاتب هذه السيرة، اذ بدأ حياته المهنية في الصحافة مع والده في "أخبار اليوم" ، وكانت بداية طريق النجاح بالنسبة لاحسان عبد القدوس ، عندما اشترت "عزيزة أمير" أول سيناريو له بمبلغ مائة وستين جنيها ، وفى الخمسينيات من القرن العشرين كتب إحسان عبد القدوس عددا من أروع قصصه ، التي تحولت جميعها إلى أفلام سينمائية ، ومن أهمها "أين عمرى" و "الوسادة الخالية" و "أنا حرة" ، وكل هذه القصص كانت تنشر تباعا في "روز اليوسف" في حلقات ، وذلك بمجرد أن يبدأ الكتابة فيها ودون أن يتم القصة ، لكنه كان واثقا من نفسه ، فليس من الضروري أن ينتهي من القصة كلها حتى يبدأ النشر ، والسبب في ذلك يرجع إلى زحمة العمل ، اذ كان رئيسا لتحرير "روز اليوسف" والمسئول الأول فيها ، وكان أمامه فرصة ضيقة جدا للكتابة وهى مساء الجمعة فقط ، لأن المجلة كانت تطبع صباح السبت ، وبعد فصله من مجلس إدارة روز اليوسف أصبح يكتب ويبدع في الأدب من منزله ، وقد أطلق على مكتبه اسم "الصومعة" ، ومنه كتب العديد من قصصه القيمة خلال ما يقرب من ثلاثين عاما ، وكان لا يرى ضرورة لمراجعة كتاباته الا في البروفة النهائية ، اذ رأى أن الكتابة من أول مرة هي الكتابة الصادقة لما في قلبه وخياله ، لذلك طيلة حياته لم يعرف ما يسمى بـ "المسودة" ، بل يكتب قصته مرة واحدة ، ولكن كان أكثر ما يثيره ويغضبه الأخطاء المطبعية ، ورغم انغلاقه على نفسه داخل صومعته لإتمام رواياته ، الا انه كان يولى اهتماما بالغا بأحفاده ، والذين وجد فيهم عوضا عن تقصيره في حق أولاده بسبب انشغاله في عمله ، ويرى الكاتب أن من الغريب ان إحسان عبد القدوس الذي دعا إلى تحرير المرأة ، كان يؤمن بأن مكان المرأة الأول هو بيتها ، ولم ير في ذلك أي تناقض ، وكانت وجهة نظره ان تحطيم الأغلال التي تقيد سيدة لا يعنى ان تعيش بعيدا عن كنف الرجل ، بشرط أن تعيش معه أميرة وليست خادمة ، وربما كان السبب وراء فكرته بأهمية إعطاء المرأة الاهتمام الأول لبيتها ، هو حرمانه من والدته فى بعض الأوقات بسبب انشغالها فى عملها بمجلتها "روز اليوسف" ، ورغم تقديره لنجاحها إلا انه كان يفضل النجاح على طريقة زوجته التي تفرغت لبيتها وأولادها ، وهذا ما أشار إليه في روايته "استقالة عالمة ذرة" ، وكان إحسان عبد القدوس يرى بحق أن الفراغ أخطر ما يمكن أن يهدد المرأة ، سواء كانت فى بيتها أم العاملة عمل غير حقيقي بغرض تمضية الوقت فقط .

صعوبات الأدب
كان إحسان عبد القدوس يملك كل المؤهلات التي تجعله كاتب قصة من الطراز الأول ، وبالرغم من ذلك بدأ حياته العملية صحفي من الطراز الأول ، عرف بالجرأة فى كتاباته فى "روز اليوسف" ، الى أن تحولت الى مجلة ثورية ، وقد أدت آراؤه السياسية الى سجنه بتهمة محاولة قلب نظام الحكم ، ويرى الكاتب أن تلك المدة التي قضاها والده في السجن مثلت نقطة تحول جذرية قلبت كل أفكاره رأسا على عقب ، اذ يرى ان إحسان عبد القدوس قد أصيب فى هذه المرة بصدمه عنيفة ، فقد كان معتادا على السجن في أيام الملك فاروق ، لكنه كان امرا طبيعيا لثائر يرفض بقلمه نظام الحكم كاملا ، لكنه كان يخرج من السجن بطلا ، اما بعد الثورة لم يستطع أحد أن يحتج على اعتقاله ، وأصبح بعد خروجه شبهه ومحل اتهام ، وربما كان اشد ما أحزنه فى هذه المحنة ان من اتهموه بالخيانة هم أصدقاؤه ، فقد كان جمال عبد الناصر يتردد على "روز اليوسف" قبل الثورة ، هو وغيره من الضباط الأحرار كما كانوا مصدرا مهما للمعلومات التى نشرها احسان عبد القدوس عن قضية الأسلحة الفاسدة ، وبوصول جمال عبد الناصر للحكم حدث تباعد بينه وبين الأديب الكبير وتكرر نفس الشيء بينه وبين الزعيم أنور السادات ، ومضت تلك الأزمات لتفسح المجال لصدمة كبرى كانت بمثابة زلزال فى حياة احسان عبد القدوس ، ففي شهر ابريل عام 1958 توفيت "فاطمة يوسف" والدته ، وبعدما أفاق احسان عبد القدوس من ذلك الزلزال ، وبدأ قراءة خواطر كانت تدونها والدته قبل رحيلها ، وجد فيها كلمات كثيرة تصف مشاعرها تجاهه ورغبتها في دفعه الى الأمام ، كذلك كتبت وصفا لثورتها المستمرة على الظلم ، الى جانب العديد من النصائح الموجهة الى ابنها .
علاقته بالنقاد والفنانين
وينتقل الكاتب إلى حياة الأديب الروائية ، فقد توالت الأفلام الناجحة لقصصه ، وكانت منفعة متبادلة له ولأبطاله نجوم السينما ، فذاعت شهرته ، ولا يوجد كاتب قصة يضاهى احسان عبد القدوس فى كثرة أعماله التي حولت إلى أفلام ، فقد ظهر له ما يقرب من خمسين فيلما فى اقل من أربعين سنة ، لا ينافسه فى ذلك سوى الأديب العملاق نجيب محفوظ ، وقد ادى ذلك الى وجود بصمة واضحة لاحسان عبد القدوس على العديد من نجوم السينما المصرية ، بداية من فاتن حمامة و عبد الحليم حافظ ، وحتى ميرفت أمين و محمود يس وغيرهم من النجوم اللامعة فى عالم السينما ، وبذلك أصبح الأديب الكبير صديقا لنجوم مصر ، خاصة فى الفن والطرب والسياسة ومهنة القلم ، وقد اعتمد إحسان عبد القدوس على علاقته الوثيقة بالقراء وإعجاب الناس به ولم يهتم بالنقد والنقاد ، بل كان بينهما جفاء ، لذلك لم يأخذ حظه من الإنصاف من هؤلاء ، رغم أن قصصه بديعة وواقعية ، وتركت أثرا عميقا في المجتمع ، ومن أسباب عدم الانصاف كذلك انه لم يكن منسوبا الى اتجاه معين ، فلا هو محسوب على اليسار أو اليمين ، اى انه كان فريدا فى نوعه ، كاتب سياسي ومحلل من الطراز الأول ، وأديب كبير متميز وأب حنون رغم كل ما صادفته من متاعب ترجع إلى آراء أبنائه السياسية ، الا انه كان صبورا تاركا لهم حرية الاختيار ، وقد كانت حياته محاولة متواصلة لإثراء الحياة الفكرية والفن الأدبي .