بدأ تجارته مساعدا لوالده عندما كان عمره تسع سنين ثم استقل بنشاطه الخاص عندما بلغ عمره اثنين وعشرين عاما، بمبلغ 500 ريال عماني فقط اقترضها من والده. كان يبيع الملابس ثم اتجه الى تجارة الهواتف النقالة وأدواتها واكسسواراتها وصيانتها. يبدأ نشاطه في الثامنة صباحا في أحد محلاته بجامعة ظفار، ثم يكمل دوامه في بقية محلاته في صلاله حتى الساعة الحادية عشر ليلا؛ بمعدل 18 ساعة عمل يوميا، باستثناء يوم الجمعة الذي يجعله عطلة أسبوعية يخصصها لأسرته الصغيرة، فيغلق هواتف العمل ويمنح وقته للعبادة ولأسرته وصلة الأرحام، يحمل من المؤهلات الثانوية العامة فقط، لكنه من خلال ممارسته التجارة استطاع أن يعلم نفسه بنفسه مهارات التسويق والعرض والمحاسبة والإدارة وغيرها، وهو يدير محلاته بنفسه ويساعده عدد من العمال. يكشر الله ممتنا ويؤكد أن الفرص متاحة لمن يريد أن يعمل والتجارة بركة وحرية وابداع، بينما الوظيفة قيد والتزام يجعلك تفكر وتعمل من أجل غيرك. التجارة من وجهة نظره مجال واسع وآفاق غير محدودة للنماء والتطور والرخاء والثراء. أخبرني أنه بمرور الأيام طور في داخله حسا تجاريا فصار يقدر المال ويحترمه ويتعامل معه باحترام. المال يتمتع بطاقة تجذبه الى من يقدرونه ويحسنون كسبه وتوظيفه وصرفه في المجالات الصحيحة ويهرب من أيدي المبذرين الذين يضعونه في غير مكانه. تعرفت عليه أثناء مروري على دكانه في جامعة ظفار لشراء شاحن هاتف، شعرت بالراحة والفخر عندما رأيته في دكانه، ظننته موظفا في المحال فدفعني فضولي لسؤاله والدردشة معه. يجيد فن الحديث، ويزن كلامه وهو يتواصل مع زبائنه بكل تواضع وأريحيه. وعند سؤالي له عن أهم العوامل التي ساهمت في نجاحه واستمراره في عمله الخاص سرد لي قائمة من المهارات والقيم من بينها الصدق والأمانة والصبر وبناء السمعة واحترام الوقت وتحري جودة الأشياء التي يشتريها ثم يعيد بيعها وكذلك اكتساب الخبرة ومعرفة حاجات الزبائن وذلك من خلال دراسة السوق وتقييم اقبال الناس على بضاعة دون أخرى.
غادرت محل عصام ثم عدت قليل من حيث لا يراني وأخذت أراقبه من بعيد وهو يتحرك في فضاء محله الصغير يوزع ابتسامته ونشاطه المتزن بين السلع المعروضة وبين زبائنه وأغلبهم من طلبة الجامعة وأساتذتها. كنت أتساءل: يا ترى إلى أي درجة يمكن أن يستفيد طلبة كلية التجارة وبقية الكليات في الجامعة من تجربة عصام بن عوض بالخير. وفي سرى كنت أدعو لوالده ووالدته وإخوانه، فهم من المشهود لهم بالذكاء والصلاح والخيرية، وكان بإمكان عصام أن يسلك درب بعض إخوانه وأقربائه ممن أصبحوا أساتذة أطباء وموظفين، لكن طموحه دفعه في هذا المسار الذي يمكن أن يجعله مليونيرا في الوقت الذي سيتقاعد فيه أقرانه، فهو الآن في الثالثة والثلاثين، يعني بعد سبع وعشرين سنة، أين سيكون عصام وأين سيكون أقرانه الموظفين الذين يتكالبون على الوظائف العمومية التي يمكن أن يشغلها أي شخص عادي.
ترافقني دائما تجربة عصام عندما أذهب الى الأسواق والى المنطقة الصناعية بصلاله حيث الورش الفنية وكراجات السيارات ومحلات الأثاث وغيرها، أعمال بسيطة تدر أموالا طائلة تطير إلى بلدان الدنيا، وكثير من شبابنا يراقبون إعلانات التوظيف في الجرائد وعبر الانترنت. الأمر لا يعدو أن يكون تغيير اتجاهات الناس نحو العمل الخاص وتسييجه بتشريعات آمنة ودعم بالمال والخبرة لكي يصبح هؤلاء الشباب لو اتجهوا الى العمل الحر براعم لرجال المال والاقتصاد في الغد. إن الخير وفير والمال كثير جدا والفرص متاحة لكل راغب أن يعف نفسه ويعول اسرته من مال حلال ويجعل يده هي اليد العليا.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية