تتمحور أفكار وخطط وبرامج رؤية "عُمان 2040" في الأساس على المُقوِّمات الاقتصادية التي تملكها السَّلطنة في العديد من القطاعات الواعدة مِثْل الصناعة والسياحة والثروة السمكية...إلخ. لكنْ يبقى المَوْقع الجغرافي المُتفرِّد وما حقَّقته البلاد في بناء منظومة من الموانئ والطُّرق التي تُؤهِّلها لإقامة قطاع لوجستي يمتلك فُرصًا تنافسية عالية، هو سبيلها الرئيسي نَحْوَ تحقيق التنوُّع الاقتصادي المأمول. فالتاريخ يؤكِّد أنَّ السَّلطنة دائمًا مرتبطة بمَوْقعها الجغرافي، ومراحل النهوض والأفول أيضًا شديدة الصِّلة بقدرة أبنائها على بناء منظومة اقتصادية مرتبطة بمَوْقعها الجغرافي المُتفرِّد، لذا تحرص الحكومة على توفير كُلِّ السُّبل لمنظومتها اللوجستية لقيادة قاطرة الاقتصاد الوطني، بما تملكه من قدرات واعدة؛ انطلاقًا من أنَّ التجارة والخدمات اللوجستية تمسُّ العديد من مجالات الاقتصاد، وتعمل على تعظيم المكاسب من ورائها، ولقد استثمرت السَّلطنة عوائدها النفطية على مدار العقود الماضية في البنية الأساسية التي استهدفت إقامة قطاع لوجستي قادر على الاستفادة من الإمكانات الجغرافية للبلاد.
وانطلاقًا من تعزيز تنافسية موانئ السَّلطنة ورفع كفاءتها التشغيلية، واستغلال قدراتها وإمكاناتها اللوجستية عبر ربطها بخطوط مباشرة مع مختلف الموانئ التجارية العالمية؛ بحيث تُسهم في تحقيق قِيمة مُضافة للاقتصاد الوطني وترسيخ مكانة السَّلطنة كمركز محوري وبوَّابة عبور للتجارة بَيْنَ الأسواق العالمية، فقد استقبل ميناء صحار أولى الرحلات المباشرة لنقْل الحاويات على الخطِّ الملاحي الجديد المباشر الذي دشَّنته السَّلطنة، مُمثَّلةً في مجموعة أسياد، مع الموانئ السنغافورية والماليزية من خلال وصول سفينة نقْل الحاويات التي استحوذت عليها خطوط أسياد أخيرًا، وهي خطوة سيكون لها مردود كبير، وستضع موانئ السَّلطنة في قلب خريطة التجارة العالمية، وستحقِّق العديد من الفوائد في المستقبَل المنظور.
والمرجوُّ أنْ تصبَّ هذه الخطوة في تعجيل مرحلة النُّمو الاقتصادي والتنموي الذي تسعى إليه السَّلطنة، فالاستفادة من إمكانات قطاع اللوجستيات وتسخير كُلِّ الإمكانات المادِّية والبشرية، وفتح المجال أمام القطاع الخاص والمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة للتأسيس للخدمات اللوجستية التي تضمن نجاح القطاع، سينعكس بالتأكيد في تحقيق نُمو مُستدام للاقتصاد الوطني. فالسَّلطنة بما تملكه من مُقوِّمات جغرافية تستطيع أنْ تستحوذ على العدد الأكبر من عقود الخدمات اللوجستية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، التي تُشكِّل مِحور التجارة بَيْنَ قارَّات آسيا وإفريقيا وأوروبا، لذلك سيعمل هذا الخطُّ المِلاحي الجديد على زيادة العلاقات التجارية مع هذه الدول، وتقديم العديد من المزايا التنافسية للمجتمع التجاري المحلِّي والإقليمي، وتعزيز جميع الصَّادرات الوطنية إلى الأسواق السنغافورية والماليزية والمجاورة لها، كما يمنح التجار العُمانيِّين وصولًا سريعًا وفعَّالًا من حيث خفض الوقت والتكلفة إلى سنغافورة؛ باعتبارها مركزًا دوليًّا للتوزيع، وبالتالي تمريرها إلى أسواق دول جنوب شرق آسيا.
إنَّ مِثْلَ هذه الخطوات تُعطي زخمًا أكبر لحركة التجارة العُمانية، وتجعل السَّلطنة مركزًا جاذبًا لرؤوس الأموال المستثمرة، وتفتح آفاقًا تجارية جديدة تُشكِّل مستقبَلًا واعدًا للتجارة العُمانية، كما تفتح المجال نَحْوَ الاستفادة من خبرات وتجارب هذه الدول التي تمتلك العديد من المناطق اللوجستية، بالإضافة إلى ما تملكه تلك الدول من علاقات تجارية متشعِّبة، يُمثِّل التعاون معها مدخلًا يفتح الطريق للقطاع اللوجستي العُماني، ويُمهِّد لمزيد من العلاقات التجارية مع دول أخرى، فالسَّلطنة تملك رصيدًا من العلاقات الودِّية مع دول المعمورة، وتستطيع، عبْرَ تلك العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل، بناء منظومة تجارية، سيكون لها الأثر الأكبر في تحقيق النُّمو المُستدام للاقتصاد الوطني.