بلغ الأسطول البحري العماني أوجه، وعصره الذهبي في عهد دولة اليعاربة (1624-1741م). بفضل إدراك أئمة اليعاربة، إلى أهمية ارتباط البحر باليابس وخطورة الموقع وأهميته، والذي كان دوماً العنصر البارز والفاعل في التاريخ العماني. ويعد عهد الإمام سلطان بن سيف الأول (1649-1680م) ثاني أئمة اليعاربة- من الفترات الهامة في مسيرة الأسطول البحري العُماني. فقد تطورت البحرية العمانية بشكل لافت خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، ولعب الأسطول دوراً رئيسياً في تحرير عُمان من الاحتلال البرتغالي الذي مكث مدة قرن ونيف. وتمكن الأسطول العُماني من مطاردة البرتغاليين في سواحل الخليج العربي والهند وشرقي أفريقيا، وأصبح قوة ضاربة في المنطقة، يحسب له ألف حساب بشهادة المستعمرين الأوروبيين أنفسهم. كما ساهمت البحرية العُمانية في هذا العهد في إنعاش التجارة وتعزيز الاقتصاد الوطني وتقوية دعائم الدولة.
في 10 ربيع الآخر 1095هـ/ 22 أبريل 1649م، تم انتخاب سلطان بن سيف بن مالك اليعربي لمنصب الإمامة، عقب وفاة إبن عمه الإمام ناصر بن مرشد اليعربي– مؤسس دولة اليعاربة- وأحد أبرز حكام عُمان عبر التاريخ. ويعد سلطان بن سيف أحد أبرز القادة العسكريين في عهد الإمام ناصر بن مرشد، وممن ساهم بشكل جلي في تأسيس الدولة اليعربية، ويصف تقرير هولندي: "الإمام متوسط القامة داكن البشرة. وتتجه حدقتا عينه إلى الوسط مما يجعله يغمض عينيه نصف إغماضه عند النظر، وكثير من العرب يفعلون ذلك، ويتسم الإمام أيضاً بمظهر جيد وأنف معقوف وهي من الصفات الشائعة لدى العرب".
ويضيف التقرير: "يتحد الجميع في طريقة لباسهم.عندما نصف الإمام الكبير فكأننا نصف أيضاً جندياً عادياً أو راكب جمال، أو فلاحاً. وعندما استقبلنا الإمام بحضور الجمهور، كان يضع على رأسه عمامة صنعت من القطن الخالص. ويضع الإمام سيفه إلى جانبه، وكان يتمنطق بحزام يضع فيه خنجره، وكان حذاؤه أصفر اللون على الطراز الفارسي".
وكان سلطان بن سيف على رأس الوفد العماني الذي تفاوض مع البرتغاليين في مسقط قبل عام من وفاة الإمام ناصر بن مرشد، وأسفرت هذه المفاوضات عن عقد معاهدة ريام سنة 1648م والتي جاءت معظم بنودها في صالح العُمانيين.
حيث تضمنت المعاهدة عددا من البنود وفي يدفع البرتغاليون الجزية المفروضة عليهم بصفة منتظمة، وأن يسلم البرتغاليون مواقعهم ومعسكراتهم في مطرح إلى الإمام ناصر بن مرشد، وألا يتعرض البرتغاليون لحرية العُمانيين في الملاحة، وأن يمتنع البرتغاليون عن أية أعمال استفزازية ضد الإمام، كما يسلم البرتغاليون كل حصونهم وقلاعهم ومراكزهم خارج مسقط إلى الإمام. وكان الإمام ناصر بن مرشد قبيل وفاته، قد نجح في طرد البرتغاليين من عمان، باستثناء مسقط ومطرح والقاعدة البحرية في خصب. لذا كان لزاما على الإمام الجديد مواصلة الجهاد ضد البرتغاليين، وتحرير كل شبر من أرض عمان الأبية. وقد أستغل الإمام سلطان بن سيف الأول إخلال البرتغاليين لمعاهدة ريام بإعلان الحرب عليهم، وأتخذ من منطقة طوي الرولة قاعدة للهجوم الشامل على البرتغاليين. وفي سبيل هذا الهدف، صمم الإمام سلطان بن سيف الأول على تكوين أسطول بحري قوي لإدراكه أن امتلاك قوة بحرية قوية أمر حاسم لتأمين سواحل بلاده وتجارتها من الهجمات التدميرية البرتغالية. وخلال وقت قياسي استطاع سلطان بن سيف الأول تشكيل نواة الأسطول الذي قدر له أن يؤدي دورا هاماً في السنوات التي أعقبت تحرير عُمان من الاحتلال البرتغالي.
واستطاع الإمام فرض الحصار البحري على البرتغاليين في مسقط لعدة شهور، بينما تحصن البرتغاليون في قلاع وأسوار عالية وبنوا مجموعة من الأبراج على الجبال المحيطة بمسقط ومطرح وحفروا خندقاً عميقاً حول الأسوار. وفي تلك الأثناء حصل الإمام على معلومات هامة جداً من بعض الهنود مكنته من دخول مسقط في نهاية ديسمبر 1649م، حيث أستغل العمانيين إنشغال البرتغاليين بإحتفالات رأس السنة الميلادية، وتم محاصرة البرتغاليين في قلعة الجلالي ومطرح حتى وأرغم الحاكم البرتغالي على التخلي عن القلعتين للقوات العمانية في 23 يناير 1650م.

معركة تحرير مسقط من البرتغاليين سنة 1650م
وهكذا تحررت المدينتين وبذلك تخلصت عُمان من الإحتلال البرتغالي الذي دام حوالي 150 عاماُ. وكانت هذه الحادثة بداية النهاية للاستعمار البرتغالي بالمنطقة بأسرها.
وفي قصيدة للشيخ محمد بن مسعود الصارمي يذكر فيها في بعض أبياتها واقعة تحرير مسقط فيقول:
فامتثلوا الأمر ولا قصروا وجردوا أسيافهم والرماح
واقتحموا السور كأسد الفلا واشتدت الحرب وضرب الصفاح
كأنما القتلى بأرجائها من فئة الأفرنج صرعى طراح
كأنهم أعجاز نخل بها مقعر من عاصفات الرياح
فانهزم الافرنج من بتة بالذل والخزي والافتضاح
بعزم سلطان بن سيف الذي أباد أهل الكفر يوم الكفاح

وكان للإسطول دور أساسي في هذا الإنجاز، وأصبح الإسطول العُماني القوة البحرية الأبرز في الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي، طوال الفترة من منتصف القرن السابع عشر إلى مطلع القرن الثامن عشر الميلاديين.
حيث قام الإمام سلطان بن سيف الأول بتحديث الأسطول البحري، فاستبدل السفن القديمة بسفن حديثة من الطراز الأوروبي بني أغلبها في سورات بالهند وبعضها تم شراءه من الهولنديين والإنجليز بالإضافة إلى السفن التي غنمها العُمانيون من معاركهم ضد البرتغاليين. ويذكر أحد التقارير الهولندية أن الإسطول العماني في عهد الإمام سلطان بن سيف الأول كان يتكون من خمسة عشر أو ستة عشر وحدة تتضمن ثلاث أو أربع سفن شراعية كبيرة مربعة أو سفينتين شراعيتين مربعتين صغيرتين، وتسع أو عشر سفن صغيرة. وبلغ مجمل السلاح الذي تزودت به جميع تلك السفن من تسعين إلى خمسة وتسعين مدفعاً ومعظمها من العيارات الخفيفة. وتمكن هذا الإسطول الباسل أن يحمي مسقط من المحاولة البرتغالية لإعادة احتلالها. ففي يوم 16 مارس 1652م، تحرك الإسطول البرتغالي بإتجاه مسقط، الا أن البرتغاليين واجهوا مقاومة شديدة من العُمانيين.
وتعترف المصادر البرتغالية بأن أسطولها المتجه لإحتلال مسقط قد واجه أسطول عُماني ضخم، كما أن المدفعية العُمانية الموجودة في القلاع أطلقت نيرانها عليه وأجبرته على الفرار.

خارطة عمان وشبه الجزيرة العربية عام 1654م
ولم يكتف الإمام بطرد البرتغاليين من عُمان، بل طاردهم في المحيط الهندي وشرقي أفريقيا. وهذا التوجه أصبح سياسة ثابتة الإمام سلطان بن سيف الأول طوال فترة حكمه. فقد طلب أهالي زنجبار من الإمام تخليصهم من الاستعمار البرتغالي، ولبى الإمام النداء وبعث بحملة بحرية إلى شرقي أفريقيا. وشملت الحملات البحرية العُمانية ضد البرتغاليين في شرقي أفريقيا مناطق: (كلوة، موزمبيق، زنجبار، بمبا، بتة Patta). ولم تتوقف الحملات العُمانية على القواعد البرتغالية - من ممباسا شمالاً الى رأس دلجادو جنوباً - طيلة الفترة من سنة (1660 الى 1662م) وتوجت هذه الحملات بطرد البرتغاليين من ممباسا سنة 1665م، وعين الإمام سلطان بن سيف الأول، محمد بن مبارك المزروعي والياً على ممباساً. لكن البرتغاليين استطاعوا استعادة المدينة في 16 ديسمبر 1678م، (20) ولم يتم الطرد الكلي للبرتغاليين من ممباسا إلا في عهد الإمام سيف بن سلطان الأول (1692 – 1711م) وذلك في عام 1698م. كما نجح الإسطول العماني في مهاجمة الحاميات البرتغالية على السواحل الغربية للهند، وتركزت هذه الهجمات على بومباي في 1661م وديو في نوفمبر 1668م، ثم في سنة 1670م، وبعدها في يناير 1676م. كما هاجم العمانيون منطقة باسين Bassein، وهي مستعمرة برتغالية في عام 1674م.
ومن أهم نتائج هذه الهجمات، إنتصار الإسطول العماني على البرتغاليين في معركة ديو البحرية قرب خليج بومباي سنة 1670م. فقد كانت "ديو" من أكبر مراكز البرتغاليين في الشرق. واستولى العمانيون في هذه الحملة على غنائم وثروات كبيرة، استثمرها الإمام سلطان بن سيف الأول في بناء قلعة نزوى كرمز للإنتصارات العُمانية وقد استغرق بنائها مدة 12 عاماً. وتعد هذه القلعة من أبرز المعالم التاريخية والآثرية في عُمان. وسجل الشاعر العماني خلف بن سنان الغافري الذي عاصر الإمام سلطان بن سيف الأول تلك الإنتصارات في قصيدة مطولة يقول فيها:
ولدى زنجبار زمجر فيهم رعد زجر لم ينج منه إعتصام
وببومبي نابهم منه ناب لم ينبه عن المضي انهشام
وانثنى منهم بعدة أفلاك تراءى كأنها أعلام

الحملات العُمانية ضد المراكز البرتغالية في شرقي أفريقيا والسواحل الغربية للهند
وعلى ساحل الخليج العربي، كانت جلفار ـ رأس الخيمة حاليا- قاعدة الحملات العمانية ضد الوجود البرتغالي في الخليج، حيث هاجم العمانيين المراكز البرتغالية في: (لارك وكنج وهرمز وقشم )، وكانت الحملة على قشم في عام 1668م. وتكبد البرتغاليين خسائر فادحة جراء هذه الحملات العمانية. وكنتيجة للسيادة البحرية العُمانية على المنطقة، والدور الهام الذي لعبه الأسطول البحري العُماني ازدهرت التجارة وأنتعش الاقتصاد وفي عُمان، وأصبح ميناء مسقط محور التجارة عبر الساحل الغربي للمحيط الهندي، فقد تجمعت فيه المنتجات القادمة من اليمن وشرق أفريقيا ومن ثم تصدر إلى الحسا وقطر والبحرين والبصرة، كما بلغ الإنتاج الزراعي المحلي مستويات كبيرة بسبب اهتمام سلطان بن سيف الأول بإصلاح أنظمة الري التقليدية (الأفلاج) وإليه يعود الفضل في إنشاء فلج البركة بين نزوى وإزكي.وفي 16 ذي القعدة 1091هـ / 8 ديسمبر 1680م انتقل الإمام سلطان بن سيف الأول إلى جوار ربه ودفن في مدينة نزوى، بعد أن حقق إنجازات عظيمة تمثلت في تحرير عمان من الاستعمار البرتغالي، وتطهير منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي وشرقي أفريقيا من وجودهم. وبناء أسطول حربي قوي ضمن به حماية الأراضي العمانية من أي اعتداء خارجي، وأصبحت له السيادة والنفوذ في المحيط الهندي. كما ساهم هذا الأسطول في بناء الدولة وتقوية دعائمها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

المراجع
1. التكريتي، سليم طه، المقاومة العربية في الخليج العربي، دار الرشيد، بغداد، 1982م.
2. السالمي، عبدالله بن حميد، تحفة الأعيان، ج2، مكتبة الاستقامة، روي،1997م.
3. العـليان،عبدالله بن علي، التاريخ البحري العماني، مجلة نزوى- العدد ( 29 ) اكتوبر 2009م.
4. سلوت،ب.ج، عرب الخليج:1602 -1784م، ترجمة:عائدة خوري، ط1،المجمع الثقافي،أبوظبي، 1993م.
5. ابن رزيق، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، تحقيق عبدالمنعم عامر ومحمد مرسي عبدالله، ط4،وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان، 1994م.
6. غباش. د. حسين عبيد غانم، عمان : الديمقراطية الإسلامية : تقاليد الإمامة و التاريخ السياسي الحديث (1500-1970)، ترجمة: أنطوان حمصي . بيروت: دار الجديد, 1997.
7. وزارة الاعلام، مسيرة الخير، الموجز من تاريخ عمان، مطبعة مزون، مسقط،1995م.
8. وزارة الإعلام،عُمان في التاريخ، المطابع الذهبية،مسقط، 1995م.
9. www.metskers.com

عماد بن جاسم البحراني
[email protected]
باحث دراسات تاريخية