”ألم يتبق لنا سوى الدعاء والرجاء؟ ألم نعد قادرين على الفعل لنغير ما بأنفسنا حتى يساعدنا الله بتغيير أحوالنا؟ ماذا ينقصنا للفعل؟ وماذا يملك غيرنا أكثر منا ليفعل بنا ما يفعل، أو لنفعل بأنفسنا ما هو أسوأ؟ قد تبدو الإجابة على كل تلك الأسئلة واضحة وسريعة، لكن للأسف لا يعكس واقعنا ما نتصوره إجابة فورية بالنفي.”

تزامنت الأعياد الدينية المقدسة هذا العام في غضون أسبوعين ـ نهاية العام الماضي ومطلع العام الجديد، فكل عام والجميع بخير مع مرور أعياد هذا العام بخير وسلام رغم الصراعات والآلام. واذا كانت أحداث فرنسا عكرت بداية العام الجديد، إلا أن أسبوعي الأعياد مرا بأفضل حال مما كانت عليه المنطقة قبل أعوام قليلة. وليس الأمر محاولة للنظر إلى نصف الكوب الملآن، إنما هي مناسبة لم تتكرر منذ أعوام بفعل اختلاف السنة الميلادية عن السنة القمرية وهي أن يأتي مولد الرسول الكريم (ص) الذي يحتفل به المسلمون في الثاني عشر من ربيع الأول قريبا من عيد الميلاد المجيد لنبي الله عيسى على اختلاف توقيتاته. وإذا كان المولد النبوي محددا بيوم من أيام السنة الهجرية ويختلف موقعه من السنة الميلادية فإن عيد ميلاد السيد المسيح يأتي في مواعيد مختلفة ما بين الطوائف المسيحية. فيحتفل الكاثوليك بالكريسماس في 25 ديسمبر، بينما يحتفل الأرثوذكس في السابع من يناير ـ وهناك من يحتفل في السادس من يناير مثل الأرمن. وفيما بين تلك المواعيد يأتي الاحتفال برأس السنة الميلادية (التوقيت الغريغوري)،
مرت الأعياد على مسلمي ومسيحيي المنطقة بخير، فلم نشهد زيادة في التفجيرات ولا الهجمات التي تفسد على الناس احتفالاتهم. بل على العكس، جاء تقارب الأعياد هذه السنة فرصة لإبراز الوجه السمح والإنساني للأديان التي أرادها الله لخلقه سبيلا للخير والسلام. ومع أن الأعياد مرت بسلام، إلا أن كثيرا من أبناء كافة الأديان لم تكتمل فرحتهم بسبب ما يعانيه إخوة لهم من أبناء المنطقة نتيجة صراعات الدنيا وصعوباتها. خاصة وأن الأعياد تتزامن مع الشتاء، والذي يشهد تغيرا مطردا في المنطقة يتبدى في سوء أحوال الطقس ما يزيد متاعب الفقراء والمشردين بسبب السياسات والحروب. ولم تكد تمر فترة الأعياد حتى قست الطبيعة على المنطقة عواصف وصقيعا وضرب متطرفين باسم الدين في عاصمة الفرنسيس فتكدر صفو خلفته الأعياد وعاد العالم إلى دائرة الشقاق والكراهية، والكراهية المضادة، والتطرف والعنصرية ـ وكلها خصال تنهانا عنها الأديان. وأمامنا عام جديد، لا يبدو أن بدايته مبشرة بأنه سيكون أفضل من سابقه اللهم إلا من باب أنه "ضيق بعده فرج".
لا شك أن كثيرين في المنطقة كانت دعواتهم في الأعياد المباركة تتضمن أمنيات من قبيل: اللهم أصلح حال السوريين واهدهم إلى صراط قويم غير طريق القتل والتدمير والتشريد ـ اللهم ألف قلوب العراقيين على حب وطنهم وحماية وحدته ولحمة شعبه ـ اللهم خلصنا من السفهاء منا، من داعش وأمثالهم ـ اللهم اجمع شمل الليبيين، من غير الارهابيين منهم، على توجيه جهدهم نحو بناء بلدهم بدلا من حرقها أكثر ـ اللهم أصلح ما بين التونسيين وبعضهم، والمصريين بفئاتهم وقطاعاتهم، ووحد كلمة أهل الخليج على الحق والعدل وارزق اللبنانيين توافقا والأردنيين وئاما والجزائريين صبرا والمغاربة سكينة والسودانيين سلاما دائما يا رب العالمين. ودرة الدعاء أن يؤلف الله قلوب الفلسطينيين ويمدهم عزما ومقاومة للاحتلال العنصري البغيض ونصرا يعيد لهم أرضهم وديارهم التي سلبها المحتل الغاصب.
ألم يتبق لنا سوى الدعاء والرجاء؟ ألم نعد قادرين على الفعل لنغير ما بأنفسنا حتى يساعدنا الله بتغيير أحوالنا؟ ماذا ينقصنا للفعل؟ وماذا يملك غيرنا أكثر منا ليفعل بنا ما يفعل، أو لنفعل بأنفسنا ما هو أسوأ؟ قد تبدو الإجابة على كل تلك الأسئلة واضحة وسريعة، لكن للأسف لا يعكس واقعنا ما نتصوره إجابة فورية بالنفي. كل ما نحتاجه هو بعض ارادة وكثير كرامة، وهو ما لا يتأتى إلا بتعزيز الشعور لدى الجميع بأنهم شركاء في أوطانهم يتحملون المسؤولية بقدر ما يطالبون به من حقوق. وقد كانت الآمال عريضة في أن تنتهي موجة ما سمي "الربيع العربي" إلى تغيير يعني مزيدا من الإرادة والكرامة مع تفعيل مشاركة قطاعات واسعة من شعوب منطقتنا استكانت للسلبية واللا مبالاة. لكن تلك الآمال تبخرت بعد فورة لم تدم عامين أو ما شابه، وكأنما "عادت ريما إلى عادتها القديمة"، إنما مع تصدع جدران القديم وعدم بناء الجديد.
’لم أكن أنتوي‘ تسطير مرثية للوضع العربي الراهن، لكنما الأعمال ليست بالنيات دائما. وما كانت فترة الأعياد، وما يصاحبها من عطلات، إلا هدنة تفكير وتدبر فيما نحن فيه وما نتطلع إليه وكيف يمكننا تحقيقه. وخلاصة القول إن ما يجري في المنطقة ربما ليس شرا كله، بل على العكس قد يكون بداية تغيير حقيقي ينتهي بنا إلى مسار جديد لا شك سيكون أفضل مما قادنا للتشرذم والضعف حتى تمكن منا أعداؤنا المباشرون (إسرائيل) وغير المباشرين. ولنتحل بالأمل الذي يصدقه العمل ولنستمد من مناسبة الأعياد زادا على خطى أنبياء الله وما دعوا إليه من إصلاح في الأرض ومكافحة الفساد والظلم فيها. وليكن عامنا وعامكم الجديد عام انجاز ايجابي لصالح أوطاننا وشعوبنا إلى موعد أعياد العام القادم، وكل عام والجميع بخير.

د.أحمد مصطفى
كاتب صحفي مصري